مقالات

وقفة بين يدي آية السلام

بقلم : عادل عسوم

وقفة بين يدي آية السلام

 

{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} النساء 86

لايكاد المرء يحس بجمال وعظم وحميمية هذه الآية إلا عندما يقدر له السفر او التواجد في دولة او مكان تتعدد فيه الديانات والثقافات، وما اجمل وانبل مشاعر المحبة وال(أنسنة) عندما تتلمس اثر تحيتك على مسلم تلقاه صدفة…

إنها الترجمة الحقيقية لحديث نبينا صلى الله عليه وسلم:

(….أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

تلمست ذلك خلال احدى اسفاري حين صادفت رجلا يتوكأ على عصاه وبدا لي بانه مسلم على الرغم من قلة المسلمين في ذاك البلد، عندما قربت منه خلال سيرنا قلت له السلام عليكم ورحمة الله، فما كان منه إلا ان رفع راسه وقال:

أليكم السلاااااام ورحهمة الله وبركاته…

قالها بسرعة وقد بدا لي تفاجؤه بالأمر، وازاح عن عينيه نضارته فإذا بالبشر والحب والترحاب يتقاذ من وجهه المريح…

يااااه

ما اجمل هذا الاسلام يا أحباب.

لقد جاء الإسلام بتحيته الخاصة وهي: السلام عليكم

أو السلام عليكم ورحمة الله

أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والرد عليها بأحسن منها بالزيادة على كل منها، ما عدا الثالثة فلم تبق زيادة لمستزيد.

فالرد على الأولى وعليكم السلام ورحمة الله.

والرد على الثانية وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

والرد على الثالثة كما هي، إذ أنها استوفت كل الزيادات فترد بمثلها.

وهكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء الإسلام بتحيته الخاصة ليجعل كل سمة في المجتمع متفردة متميزة، ومن يعش في مجتمع غير مسلم يلاحظ أثر تحية الإسلام، إذ في القائها افشاء حقيقي للسلام المجتمعي، ولوقعها على الآذان صفاء للقلوب، وبها يتعارف غير المتعارفين، وبواستطها تتوثيق الصلة بين الناس، وهي ظاهرة يدركها كل من يلاحظ آثار هذا التقليد في المجتمعات ويتدبر نتائجه العجيبة.

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل خير؟ قال: (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).

وبذلك فإن إفشاء السلام بين المسلمين -ابتداء- سنة، أما الرد فهو فريضة.

ولاتنفك آية السلام عن آية تحويل القبلة، ففي الأمرين اعلاء من شأن المجتمع المسلم لتصبح له ملامح خاصة، والتميز بتقاليد وشرائع ونظام خاص كتميزه بعقيدته الموحدة لله، لذلك يخشى الغرب كثيرا من استحالة ذوبان المهاجرين المسلمين في المجتمعات الغربية، بل تكون النتيجة عكسية إذ يغلب تأثيرهم على من حولهم، لاحظت ذلك في عدد من المدن الألمانية نتيجة تأثير المهاجرين المسلمين القادمين من دول الشام، خلال احدى اسفاري التقيت بستينية ألمانية في القطار حكت لي عن تحول ايجابي كبير في تعامل حفيدتيها التوأم معها بعد تعرفهما على طفلات سوريات تسكن اسرهن في ذات العمارة، قالت لي بان السبب الاول لاسلامي التغير الكبير والعجيب في سلوك البنات معي ومع والدتهن، فقد اصبحن كلما عدن من عند الجيران يسلمن علي وعلى أمهن على اليد وعلى الرأس، ثم تبعت ذلك سلوكيات عديدة جميلة ومفرحة، فأقنعت ابنتي بان نزور هؤلاء الجيران، وتصادف ان بدأ شهر رمضان في ذلك اليوم، وما كنا نعلم كثيرا عن الاسلام، فقرأت عن الصيام فوجدت فيه من الفوائد الصحية الكثير لما كنت أعانيه من مشاكل في معدتي، فشرعت في الصوم، واهتمت بي الجارات كثيرا، وتوالت قراءاتي عن الاسلام، وما ان اتى عيد الفطر حتى أعلنت اسلامي وتبعتني بعد ذلك ابنتي وطفلتيها.

ولعلي أختم بالآتي:

التالي لآية السلام هذه يجدها أتت في منتصف آيات القتال (قبلها بعدها)، وفي ذلك دلالة عظيمة، ولعل المراد أن يشار إلى قاعدة الإسلام الأساسية السلام، فالإسلام دين السلام، وهو لا يقاتل إلا لإقرار السلام في الأرض بمعناه الواسع الشامل، السلام الناشىء من استقامة الفطرة على منهج الله.

ثم إن هذه الآية أتت عقب آية الشفاعة مباشرة، وهي:

{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} النساء 85

ومعنى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا..}

أي: من يسعى في أمر فيترتب عليه خير؛ كان له نصيب من ذلك. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ أي: يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه، ونيته، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء.

{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا}.

والتحية الأفضل فيها أن يكون ردها بأحسن منها، وكذلك كل شواهد ومظاهر الأحاسيس الانسانية والعواطف، فلكونها مشاعر متدفقة؛ فإن اجزال الكيل في ردها يزيد من أثرها في النفوس، وذلك يجعل كل من يراك تفعل ذلك يتمنى أن يكون مثلك،

وكل من يعرفك يحترمك،

ومن يسمع عنك يتمنى مقابلتك، وبذلك تكون داعيا للاسلام بتعاملك مع من حولك،

فمن أعطاني هدية لاينبغي أن اقصر عطائي على رد الهدية فقط، انما أزيد عليها ولو بإبتسامة، وإذا اتصل بي أحد مجاملا لا تكون ردة فعلي مجرد رد الاتصال؛ انما بما يزيد ولو بالمباسطة أكثر في الكلام، وإذا حضر عزيمتي جاري لا تكون ردة فعلي بأن أحضر عزيمته فقط؛ انما أزيد بفعل شئ يفيد. حتى العزاء؛ إذا عزاني لا أعزيه فقط…

ألا رحم الله أستاذي في الجامعة الشيخ الطنطاوي، فقد سمى ثقافة رد الفعل بما يساويه بال(ثقافة البائسة).

اقول:

السلام عليكم ورحمة الله وبركانه يا أحباب

adilassoom@gmail.com

يقين برس

صحيفة اللكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى