مقالات

من طمس تاريخ العبدلاب

اخر العلاج : خالد فضل السبد

من طمس تاريخ العبدلاب

 

مازال الكثير من تاريخ السودان في الحقب والقرون الماضية مختفيا ومفقودا وتم تعديل الكثير منه حيث لا تتطابق الاحداث والواقع في تلك الفترة وقد اثار ذلك جدلا واسعا وسط الخبراء التربويين والمؤرخين لمسح هذا التاريخ الذي يعتبر مرجعية ومصدر عزة وفخر لكل سوداني.

مسح هذا التاريخ النادر واختفاء المخطوطات لم تكن صدفة او بعوامل الطبيعة وانما تم عن قصد ممنهح قامت به بعض الجهات عمدا لاسباب عديدة بعضها بدافع الحقد والكراهية والاخر لشئ في نفس يعقوب.

فالتاريخ ليس محل صراع ايدولوجي وانما ساحة للمعرفة والعلم ومرجعية للاجيال القادمة وماحدث من تشويش وحذف لبعض المواد التاريخية التي لم تتم عبر تكوين لجان علمية او خبراء في ذات المجال تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ستدفع ثمنها الاجيال القادمة التي ستفقد تاريخا كان من الممكن ان تعتز به وسط الشعوب.

هدفنا من تسليط الضوء علي هذا التاريخ المفقود او الممسوح هو حرصنا علي تطور التعليم واعادة المواد المحذوفة الي المناهج بعد التغيرات التي اصابتها من حذف وتغير دون اتباع الاسس العلمية عبر اللجان المتخصصة هو حذف غير مبرر سيجعل الاجيال الناشئة تجهل الكثير من تاريخ الاجداد الذين سطروه باحرف من نور .

ولعل من الاهداف التربوية التي يجب ان نغرسها في نفوس الطلاب من خلال المناهج هو حب الاوطان والاخلاق الحميدة والسلوك القويم المستمد من التاريخ القديم ومن ديننا الحنيف .

ومن خلال البحث والرجوع الي الكتب النادرة لدي بعض الافراد وجدنا من ضمن تلك المواد التاريخية التي تم حذفها وازالتها هي تاريخ العبدلاب الذين امتدت فترة حكمهم للبلاد مايقارب ال 360 عاما وهو تاريخ مشرف و عامر بالانجازات والاعمال الجليلة وقد ترك سمعة داخلية وخارجية لا تتناسب ما يكتب عنه في المناهج او البحوث من معلومات ضئيلة لا تكاد تعرفه التعريف الذي يليق به وبعظمته بل يتم ذكره في عدة سطور فقط لا تتجاوز الثلاثة او الاربع اسطر .

فالعبدلاب الذين حكموا السودان هم ابناء الشيخ الشريف عبدالله جماع بن الشريف محمد الباقر وسمي بجماع لجمعه شمل القبائل العربية وينتهي نسبه الي السيدة فاطمة الزهراء في ابنها عبدالله بن علي بن ابي طالب ( كرم الله وجهه).

نشأ الشيخ عبدالله جماع في بيت دين وعلم حيث ذهب والده في سن مبكرة الي مكة المكرمة ليحفظ القران وعلومه وعلوم الشرع وعاد الي السودان وقام بنشر الدعوة والقران واهله ذلك ليكون علي راس اهله القواسمة في رفاعة الكبري .

وقاده طموحه وحبه للدين في التفكير في توحيد القبائل العربية واقامة دولة اسلامية فسعي الي للمك عمارة دنقس مك الفونج الذي كان ملكا عادلا ذو سمعة طيبة طلب منه التحالف معه لينجزا سويا اقامة دولة اسلامية في السودان فوجد التاييد والمباركة واوكلت له قيادة جيوش الحلف فاحسن تنظيمها وترتيبها وتعبئتها وتولي الشيخ عبدالله جماع قيادة الجيوش فانتصر علي العنج حكام مملكة علوة في عاصمتهم سوبا وتقهقرت جيوشهم منهزمة في عاصمتهم الثانية قري فتم حصارها لفترة طويلة ثم التقي الجمعان وسقطت دولة علوة .

بعد ذلك بدات مرحلة جديدة من تاريخ السودان في ادارة حكمه بين الحلف العبدلابي الفونجي الذي عرف ( بالسلطنة الزرقاء ) وكان ذلك في العام 910 هجرية الموافق 1504 م .

بعد ان دان لهم الحكم اتخذ الشيخ عبدلله جماع عاصمته ( قري) بينما اتخذ عمارة دنقس عاصمته( سنار ) وأقامأ أول دولة اسلامية في السودان تحتكم الي شرع الله وهي الدولة التي صنعت السودان الحالي خلال حكم رشيد امتد لاكثر من ثلاث قرون حتي العام 1821م.

ففي عهد العبدلاب ازدهر العلم وتوافد العلماء والدعاء الي البلاد بعد هزيمة المسلمين وانهيار دولتهم في الاندلس ونشروا اللغة العربية والثقافة الاسلامية والفكر الصوفي الذي علا شانه في تلك الفترة والتي ظهر فيها ابناء الشيخ غلام الله بن عابد الركابي والشيخ محمد سوار الذهب والشيخ عبدالصادق والشيخ الحاج موسي جد الشيخ حسن ود حسونة والشيخ حمد ابودنانة .

أرسي العبدلاب دعائم اول دولة عصرية تحتكم الي شرع الله بقيادة الشيخ عبدالله جماع وابنه الشيخ عجيب المانجلك وفي تلك الفترة تبعت لمشيخة العبدلاب العديد من الممالك وهي ( مملكة الجعليين – مملكة الجموعية _ مملكة الميرفاب _ مملكة الشايقية _ مشيخة المناصير _ مشيخة الشنابلة ) .

توفي الشيخ عبدالله جماع في العام 970 من العام الهجري وبعد رحيله ترك العديد من الابناء اشهرهم خليفته الشيخ عحيب المانجلك الذي تولي الخلافة وكان شيخا محنكا وعظا عادلا وشجاعا وفقيها بسط سلطان الدولة علي بعض المناطق في شرق السودان التي لم تكن خاضعة لهم وسار علي نهج ابيه متبعا نظاما اداريا متقدما اشبه بالكونفيدرالي مع حليفته الفونج . اهتم الشيخ عجيب بتشيد المساجد والخلاوي ودور العلم وزاد توافد العلماء الي السودان من مختلف ارجاء العالم الاسلامي بفضل هذا التطور والاهتمام بالعلم والعلماء .

انتشر العبدلاب في العديد من بقاع السودان في ( قري _ حجر العسل _ دبك _ حلفاية الملوك _ العيلفون _ وعد الشيخ جماع _اربجي _الهلالية _ برنكو _ البحرالاحمر _الفاشر _الكرمك قيسان جنوب وشرق _ جبال تقلي في الغرب ) وغيرها من المناطق الاخري من السودان وقد امتد حكمهم من اسوان شمالا حتي سواكن جنوبا.

استقر الشيخ محمد ديومة وابناؤه الديوماب في منطقة حجرالعسل ( الديوماب) بينما استقر الشيخ ادريس انقر وهو جد الانقرياب واحفاده في ارتولي والباوقة والجول وفتوار واستقر الشيخ ادركوجه وهو جد الادركو جاب واحفاده في حفير مشو وفي كسلا وفي همشكوريب هنالك أبناء الشيخ محمد الباقر بن الشيخ عجيب ( الشيخ علي بيتاي) وهم من قبيلة البوقلد والردي وهم فرع من الجمبلاب وفي القاش اولاد عدلان الهدندوي وهم موجوددين ضمن قبائل الترك (الهلال) وهنالك الارتيق العبدلاب ارو هم ابناء ضباب ابو نائب ود عبدالله جماع وهم مولودون في البوشاب واستقر الشيخ سبه جد السباب بالجيلي والنية وعنتار بدبة ود العجيل.

في تلك الفترة شهدت البلاد نهضة دينية وثقافية كبيرة اذ اقام الشيخ عجيب رواقا للسودانيين بالازهر الشريف يعرف برواق السناريين واهتم بالحجاز وبالحج فعبد طريقا سالكا للحجاج عبر الجبال والمسالك الوعرة التي كان ينعدم فيها الامن ويصعب فيها المسير وفي طريقه للحج تزوج الشيخ عجيب من قبيلة الأمرار الكواهلة وانجب ابنه عثمان الذي تنتنمي اليه (قبيلة العتمن) الشهيرة بشرق السودان والتي انجبت فنان الشرق المعروف سيدي دوشكا.

استمر العبدلاب في الحكم حتي العام 1821 حين غزاء اسماعيل باشا السودان وكان ذلك في عهد الشيخ ناصر بن الشيخ الامين.

ومن الاشراقات التي تركها العبدلاب وسطروا بها صحائفهم الناصعة باحرف من نور ابان عهدهم السابق في حكم السودان والتي تكفيهم فخرا وعزة هي ان في عهد حكمهم نعم السودانيين بالامن والعدل والرفاهية وتوافد في حكمهم العلماء والفقهاء والادباء والمتصوفة من كافة انحاء الوطن العربي والاسلامي وتلقي الاجيال التعليم داخل وخارج السودان وتم فتح الطريق الي الحج الذي كان وعرا وغير امن بجانب بناء اوقاف للحجيج في السودان ومكة والمدينة المنورة كما قاموا بوضع خزينة من الذهب الخالص بالروضة الشريفة وميزانا من الذهب علي الكعبة الشريفة .

وللعبدلاب احفاد سعوديين يفتخرون بتاريخ اجدادهم وقد زاروا السودان مؤخرا والتقوا بزعماء العبدلاب وقد قامت اجهزة الاعلام بعمل لقاءات وحوارات معهم محفوظة الان في المكتبات.

وبذلك طويت صفحة بطولية من تاريخ قبيلة العبدلاب كانت لها تاثير كبير علي السودان الحالي وستظل بطولاتهم وانجازاتهم خالدة علي مدي التاريخ والعصور تتناولها اجيال بعد اجيال.

وسط هذا التاريخ المشرف لقبيلة العبدلاب بل ولكل السودان لحكم امتد ل 360 عاما واختفاؤه من المناهج بهذه السهولة برزت عدة تساؤلات طرحها المؤرخون والمهتمون بالتاريخ وماضي الشعوب الذي يمثل حضارتها ونشاتها عن الجهة او الجهات او الافراد الذي قاموا بعمليات المسح لتاريخ هذه القبيلة ولمصلحة من تم وكيف تمكنوا من الوصول بهذه السهولة الي تلك الوثائق التاريخية فقاموا بعمليات المسح والازالة والتعديل وتلاعبوا بها.

رسالتنا الاخيرة نرسلها للجهات المسؤولة ذات الصلة بالامر متي تتم عمليات المراجعة الحقيقية لتاريخ السودان واعادة ماحذف منه ويمكن الاستعانة و التنسيق مع المؤرخين وبعض الاسر العريقة الذين لدي بعضهم مستندات تخص اسرهم ورثوها من الاجداد وبها ماض عريق يهم البلد للاستفادة من تلك المخطوطات في اعادة بعض ماحذف وادراجه بالمناهج وسجلات الدولة ام ان الامر سيتم تجاهله ويبقي الحال كما هو عليه وتظل هذه الفترة العريقة من تاريخ السودان مفقودة .

يقين برس

صحيفة اللكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى