(بركل الله المعظم)
سياق وتوصيف (بركل الله المعظم) سياق دارج بين اهلي في منطقة البركل، بل في جل المناطق المحيطة به من مناطق الشايقية، ولعل الأمر يتعداها إلى مناطق أخرى عديدة في السودان، والسياق له وصل بجبل البركل، انه الجبل الذي نشأت فيه أول حضارة قامت على (توحيد الله)، يشهد بذلك معبد آمون الذي لم تزل أطلاله باقية أراها كلما رنوت ببصري من فوق سور بيتنا في البركل، لأوقن بأن هذا الجبل ليس ككل الجبال!…
الناظر يااحباب الى (جبل البركل) يجده ينتصب في قعر انحناء النيل العظيمة (Great Bend of the Nile) ليبقى النيل محيطا به من جهات ثلاث، ولكأن هذا النهر لايطيق له فراقا!!
لقد كتبت فيه وقلت:
الأصل يضرب في الشمال له جذورا
حيث يجري النيل يسقي زرعه والبورا
***
يشق صدر أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدبا في البركل الذي يلي كريمة
***
وقد حوى في جوفه التاريخ والأسماك
تاريخ قوم ذاخر بالنصر كل حراك
***
الماء فيه ريان بلون البُنّ أشهُرا
والموج يصطخب لسيفه قد اشهرا
***
ينبيك عن مخاض
بالخير حين فاض
***
فيرفد الجروف نبتا يانعا دونما أشواك
***
ثم يصفو أشهُرا
فيستحيل أزرقا
***
تمده السماء من اهابها بلونها نهارا
وفي المساء…
يستحيل سطحه مرآة حسن لأنجمٍ سهارا
***
ونخيل بالشط تهفو بجريد مائسات
يرقصن في دلال بين أيدي النسمات
***
أودعها الأله كل لون
سيقانها تشربت بذات لون البنّ
***
سبيطها يزينه الصفار
وثمرها يخضرُّ في البدار
***
وبعد أشهر…
ينداح صفرة
وحمرة…
ليكتسي بذات لون البنّ دونما هلاك
***
وفي الجوار…
ينتصب التاريخ جبلا أسمرا
له اسمان اسم (جدّي) والبركلا
تحرسه أسودٌ هي ليست حجرا
***
اللون فيه ذات لون البنّ
ومعبدٌ قد زانه التوحيد ذات يوم
بناه آمون الذي ملك الدنا والقوم
وكتبت كذلك عنه بلهجة أهلي الكرام:
تصل في مروي بالشريان
تشوف جبلا
يسد عين الشمش بي إيد
تعاين تلقا بعدو النيل
يلف يرجع
أكيد من شوقو ليهو شديد.
يقع هذا الجبل الذي نحبه ويحبنا في قعر تلك الانحناءة من الأعلى، ولا يكاد يشاركه ايما جبل -على وجه هذه الكرة الأرضية- مثل هذا الموقع الفريد.
اتيت يوما بالأطلس، فتبين لي بأن الدائرة التي يفترض أن يكون نبي الله موسى عليه السلام قد تحرك داخل اطارها يفترض أن تكون احدى هذه القواطع:
1-مصر الحالية ومن ضمنها سيناء.
2-شمال السعودية.
3-السودان الشمالي الحالي.
ولإن بدأنا بمصر وسيناء فسنجد بأن التسليم بذلك دونه الكثير من اللاّءات التي أثبتها العديد من الكُتَّاب والباحثين وعلماء الآثار وجلّهم يهود وبعضهم مسيحيون منهم (رون وايت) الذي كتب كتابا خلال الثمانينات أبان فيه بان بني اسرائيل لم يبقوا في سيناء أربعين سنة بل عبروا الى شمال السعودية وان الجبل الذي ناجى منه موسى عليه السلام ربه هو (جبل اللوز) في شمال السعودية…
ومنهم كذلك الباحث اللبناني كمال الصليبي الذي كتب كتابا أسماه (التوراة جاءت من جزيرة العرب) نفى فيه بأن يكون اليهود قد عاشوا في فلسطين أو مصر وقال بانهم عاشوا في منطقة عسير السعودية…
ومنهم أيضا المؤرخة وعالمة الآثار (الدكتورة هيلين) وهي استاذة في الجامعة الامريكية ببيروت والشهيرة بآرائها المعضدة بالبراهين بكون فلسطين أرض عربية عندما ألقت محاضرة استشهدت فيها بآراء العديد من المؤرخين (الإسرائيليين الجدد) بجامعة تل أبيب أعربوا خلالها عن شكوكهم في وجود العبرانيين التاريخي بمصر!…
القول بأن اليهود قد عاشوا في شمال السعودية الحالية أو ان جزءا من حراك موسى عليه السلام قد كان فيها قول لا يستند الى معقولية لان طبيعة المنطقة جغرافيا لا أجدها تتسق مع الشواهد المذكورة في ثنايا حراك موسى عليه السلام هلال رحلاته الثلاثة من خرق للسفينة وبناء للجدار اذ ذاك يعني بأن المنطقة يشقها نهر دائم الجريان، وعامرة بالسكان وذاك يتبين من سياق هذه الآيات الكريمات من سورة الكهف، وكذلك آيات سورة طه الكريمة التي تحكي عن مناجاة لله من قِبَلِ موسى عليه السلام بجوار جبل الطور ثم تفاصيل قصة لقائه عليه السلام بفرعون في وجود السحرة الذين اتى بهم فرعون والذين ما لبثوا أن اسلموا مع موسى، يجد المتبصر بأن القصة بسياقها هذا دارت علي أديم ارض يشقها نهر تحفه أشجار وتمخر عبابه سفن شراعية مملوكة لاسر بسيطة…
وقد قُدِّر لي النشأة شطرا من طفولتي في مناطق أهلنا السكوت والمحس في شمال السودان، اذكر جيدا بأن الأسر هناك كانت تعتمد في معاشها على نهر النيل زراعة اوصيدا للاسماك أو تجارة مع بقية القاطنين على ضفاق هذا النهر الكريم من القبائل والاثنيات الأخرى، وكان هناك (بصراء) يصنعون المراكب الشراعية ويبيعونها للأسر، وقد بلغ بالكنوز -وهم قوم يعيشون على طول شط النيل ابتداء من اقصى جنوب مصر الى قرب مدينة دنقلا في شمال السودان- ان وصلت رحلاتهم على طول هذا النيل إلى مدينة كريمة الكائنة في ديار الشايقية جنوبا وماخلفها من مناطق.
تلك السفن الشراعية كانت تحمل السُّكَّر والأنسجة القطنية وأواني الطعام يبتاعها الكنوز من مصر ليبادلوها بمحصول البلح مع الساكنين علي ضفاف مجري النهر في اتجاه الجنوب…
أما السحرة الذين استعان بهم فرعون فقد ورد في تفسير ابن كثير بأنهم من منطقة (دنقلة) التي تقع في الوسط الشمالي للسودان.
وعن (مجمع البحرين) فللشيخ طارق السويدان وعمرو خالد رأيا يقول بأن المجمع المذكور إمّا ملتقى النيل الأزرق بالأبيض في الخرطوم أو ملتقى نهر عطبرة بالنيل شمال ذلك…
ثم ان كلمة (بحر) في اللغة العربية فتعني الماء العذب كما تعني الماء المالح ايضا…
وبالطبع هناك تفاسير للقرآن بينت بأن (مجمع البحرين) المذكور إنما هو في تركيا أو في العراق وذاك لعمري أمرٌ لا يمكن التسليم به لا عقلا ولا منطقا، وذلك لبعد المسافة جغرافيا وانتفاء ملائمة سمات الحراك العام للقصة مع تفاصيل مكونات تلك البقاع طبيعة وسكانا وشواهد…
ولعله من المفيد هنا ايراد وصف نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه لهيئة موسى عليه السلام، فقد ورد وصف موسى وعيسى عليهما السلام في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم -أي لونه بين البياض والسواد- طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس.
وفي رواية للبخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال: وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فقال: موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال عيسى جعد مربوع…
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام رجل آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس…
وفي رواية لأحمد: فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم…
واضيف الي ذلك بان الدكتور عبدالله الطيب رحمه الله قد علّق خلال حلقة اذاعية على الآية الكريمة التي تقول:
({واضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} طه 22
على أن ايراد لفظة البياض هنا انما توحي جليا بأن لون بشرة موسى عليه السلام قد كانت غير بيضاء!
وكل ماسبق من وصف يؤكد بان موسى عليه السلام لهو اقرب الي ان يكون من اهل السودان وذاك يتسق مع ما جاء في التوراة بأن موسى عليه السلام قد تزوج فتاة من(كوش) تدعى (صفورا) وكوش هذه هي المملكة الأولى التي نشأت في شمال السودان..
وذات القول افاد به أيضا البروف عبدالله الطيب رحمه الله.
وقد قال الحق جل في علاه في سورة طه
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}9
{إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} 10 {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى}11 {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} 12
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} 13
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إلاأَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} 14
لنتنبه الى أمر اراه من الأهمية بمكان ألا وهو لفظ ال(مقدس) الوارد في ثنايا هذه الآيات!…
فالمقدس هو في البدء اشتقاق من القدوس وهو اسم من اسماء الله الحسنى والقدوس في اللغة هو (القادر على الإحياء)، وبذلك فإن المُقدَّس اشتقاق من ذات الاسم، عندما تطلق لفظة المقدس على وادي ما؛ فإنه بالأحرى يكون واديا يبعث الحياة أو تنبعث الحياة منه أو بسببه، أليس كذلك؟!
فأي واد مقدس يبعث بالحياة إن لم يكن نهرا يجري فيه الماء العذب الذي جعل الله منه كل شئ حي؟!
وهل هناك واديٍ اقدسَ من نهر النيل؟!
وهناك من الادلة مايفيد بأن اجتياز موسى عليه السلام للبحر لم يكن إلا لهذا النيل، اذ ان كلمة البحر في اللغة العربية تعني الماء المالح والعذب، ثم ان كلمة اليم التي وردت في القرآن (اغرقناه في اليم) معتادة في لهجة أهل المنطقة، يضاف الى ذلك بأن موسى عليه السلام وقومه كانوا شهودا (ينظرون) الى مشهد دخول فرعون وجيشه إلى الماء وغرقهم:
{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} البقرة 50
فكيف يحدث ذلك في بحر كبير مثل البحر الأحمر، انه النيل الذي يرى القائم على ضفته اليسرى من يقف على الضفة اليمنى.
أما الشجرة المباركة المذكورة في الآية فأحسبها -والله أعلم- هي ذااات الشجرة التي ما فتئت تلازم قصص الأنبياء والمخلصين من عباد الله وامائه!، فتلك مريم عليها السلام حين انجبت عيسى عليه السلام لم تنجبته الاّ تحت شجرة نخيل ليأمرها الله جل في علاه بأن هزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا!
الشجرة هي ذات شجرة النخيل وليست كما ذكرت عدد من التفاسير…
لقد قال ربنا جل في علاه:
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} القصص30
هذا الوصف لايكون الا لشجرة سامقة يراها الناظر إليها من البعييييد، شجرة تنمو على ضفاف الانهار.
والوادي المقدس هو نهر النيل…
والتالي فإن جبل الطور هو (جبل البركل) الذي لازمه التعظيم والتقديس طوال قرون حيث مافتئت كل الحضارات التي نشأت في تلك المنطقة تحفظ له ذات المهابة ليبقى مكانا لتعميد وتنصيب الملوك ومركزا لاتخاذ القرارات المصيرية ومنطلقا للجيوش وموئلا لتوحيد الله دون كل ارجاء الدنيا القديمة التي كانت تشرك بالله حينها، وهناك دليل لعل الكثير منا لم ينتبه إليه، ألا وهو شظية/ثُلمة (شُرْمَةَ) من الجبل تطل على النيل، لقد ثبت بان هذه القامة قد نحتت واحيلت الى رأس أفعى عظيمة، تدل على ذلك صور قديمة وجدتها عند ابن المنطقة وعالم الآثار صلاح ضبلان، ذاك يجعلني اربط بينها وبين (عصى موسى) عليه السلام التي احالها الله إلى ثعبان عظيم!
أمر آخر يعلي من قدر هذا الجبل،
لقد انزل الله (عشر وصايا) في الكتب السماوية من قبل الإسلام، ورد ذكر هذه الوصايا في التوراة كالآتي:
قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى الْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ، فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ». 13
فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ. وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ اللهِ..
(أول إشارة للألواح في Exodus 24:12–13).
وهذه تفاصيل الوصايا العشر التي أمر بها الله بني إسرائيل في سفر الخروج، الاصحاح 20:
1- لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
2- لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ.
3- لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا.
اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ.
4- أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
5- لاَ تَقْتُلْ.
6- لاَ تَزْنِ.
7- لاَ تَسْرِقْ.
8- لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.
9- لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ.
10- لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ.
ولقد جاء السياق القرآنى ايضا بوصايا عشر فى اطار الحوار مع أهل الكتاب.
يقول الله تعالى فى سورة الأنعام:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}
وتفاصيل الوصايا العشر في الإسلام كالآتي:
1 ـ عدم الوقوع فى الشرك العقيدى باتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى.
2 ـ الإحسان للوالدين.
3 ـ النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع فى الفقر.
4 ـ النهى عن الاقتراب من العلاقات الجنسية المحرمة سواء كانت علنية أوسرية.
5 ـ النهى عن قتل النفس إلا بحقها.
6 ـ النهى عن أكل مال اليتيم الا بالتى هى احسن.
7 ـ توفية الكيل والميزان بالقسط والعدل.
8 ـ العدل فى القول، أى قول الحق حتى لوكان ضارا بأقرب الناس اليك
9 ـ الوفاء بالعهد الإلهي أى أداء فرائضه.
10 ـ اتباع القرآن الكريم وحده باعتباره الطريق المستقيم للهداية.
وبالطبع هناك وصايا أخرى تزيد عن هذه العشر في الإسلام.
الشاهد في أمر الوصايا انه تم اكتشاف وصية في معبد آمون الموجود في (جبل البركل)، إنها وصية للأمير (خوليوت إبن بعانخي)، وقد ترجمها من الهيروغليفية إلى العربية البروفيسر العباس سيد أحمد عام 2008م، وتتلخص وصية الأمير خوليوت في الآتي:
إنني لا أكذب.
ولا أعتدي على ملكية غيري.
ولا أرتكب الخطيئة.
وقلبي ينفطر لمعاناة الفقراء.
وإنني لا أقتل شخصاً دون جُرمٍ يستحق القتل.
ولا أقبل رشوةً لأداء عملٍ غيرِ شرعيٍّ.
ولا أدفع بخادمٍ استجارني إلى صاحبه.
ولا أعاشر امرأة متزوجة.
ولا أنطق بحكمٍ دون سند.
ولا أنصب الشِراك للطيور المقدسة.
أو أقتل حيواناً مُقدَّساً.
إنني لا أعتدي على ممتلكات المعبد.
بل أقدم العطايا للمعبد.
إنني اُقدم الخبز للجياع.
والماء للعطشى.
والملبس للعُراة.
أفعل هذا في الحياة الدنيا.
وأسير في طريق الخالق.
مبتعداً عن كل ما يغضب المعبود.
لكي أرسم الطريق للأحفاد الذين يأتون من بعدي في هذه الدنيا وإلى الذين يخلفونهم وإلى الأبد.
(خوليوت إبن بعانخي).
تخيلوا بأن هذه الوصية كُتِبَت قبل ميلاد المسيح عليه السلام ب(سبعمائة عام)!
وللعلم فإن الفارق الزمني بين أنبياء الله موسى وعيسى ألف وخمسمائة عام كما ورد في قصص الأنبياء لابن كثير، ولاغرو أن من يقرأ تفاصيل وصايا خوليوت هذه يجد فيها وصلا وشبها بالوصايا العشر في اليهودية،
ومعلوم بأن ملوك كوش كانوا (موحدين لله) وصلا بديانة آمون، ولعلهم كان منهم انبياء ورسل، فإن كان قد ذكر عدد (خمس وعشرون) نبياً ورسولاً في القرآن الكريم، منهم ثمانية عشر نبياً ورسولاً ذُكرت أسماؤهم في موضع واحد في سورة الأنعام والباقي في سور متفرقة وهم آدم وهود وصالح وشعيب وإدريس وذو الكفل ومحمد عليهم السلام وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام؛ فقد ورد بأن عدد الانبياء والرسل ممن لم يذكرهم الله في القرآن لاضعاف ذلك بكثير، والله قال في محكم تنزيله:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} فاطر 24
بالأحرى يكون لامم ذلك العهد ومنها حضارة كوش (السمراء) انبياء ورسل.
ورد نص في الأنجيل في سفر أعمال الرسل الإصحاح 8:26-40 فحواه الآتي:
(تحدث ملاك الرب الي فيليب قائلاً: أستيقظ وإذهب الي الجنوب الي الطريق الذي يذهب الي الأسفل من اورشليم الي غزة الي الصحراء، فأستيقظ وذهب، ولمح رجلاً خصياً من إثيوبيا وكان ذو مرتبة عظيمة عند ملكة اثيويبا الكنداكة، فهو المسئول عن كنوزها، وقد اتي الي اورشليم للعبادة، وهو يستعد للعودة الي دياره جالساً في مركبته الحربية ويقرأ سفر اشعياء الرسول).
إنتهى نص الإنجيل.
قيل بأن هذه الملكة هي الكنداكة (أماني تيري) التي أكتُشِفَ قصرها بجوار جبل البركل، وتم إعلانه من قبل اليونسكو عام 2003 كأحد مواقع التراث العالمي.
والذي يتحدث عنه النص ويسميه بالخصي الأثيوبي انما كان وزير مالية لملكة مروي (الكنداكة أماني تيري)، حيث كانت المنطقة كلها تسمى أثيوبيا.
هؤلاء الكوشيون هم (أصول) وأجداد أهلنا على امتداد منحنى النيل، وبالطبع لن يتعارض ذلك مع هجرات عربية أتت من الشمال فتصاهروا مع امهاتنا (الكوشيات)، ثم طغت اللغة العربية والدين الاسلامي (الموحِّد لله) على أنقاض اليهودية وماقبلها ومابعدها من ثقافات بل وأديان (موحدة لله)، لم تعتمر (التثليث) كما حدث للمسيحية.
اختم بالقول بأنني وبالرغم من اعتدادي بديني الإسلام ولغتي العربية، وكذلك حرصي الأكيد على تشكيل وجداني بكل مايُعْلِي من قدر هذا الدين في دواخلي، إلا إنني كنت ولم أزل أجد شيئا ما يشدني إلى الأمير خوليوت إبن بعانخي، لقد كنا نسمع عنه وعن بعانخي وتهرقا (ترهاقا) ونحن صبية نلعب على رمال جبل البركل، هذا الجبل الذي يسميه أهلنا بإسم جدي ودالكرسني رحمه الله.
وهناك صورة فوتوغرافية يجدها المرء في الميديا، وهي بالابيض والأسود (غير ملونة)، هذه الصورة لنساء صورهن احد السياح الوافدين، ويظهر جبل البركل في خلفية الصورة، تاريخ الصورة قديم تشي به ازياء النساء وقد كن عاريات الصدور ويعتمرن (قرقابا) لستر العورة، الناظر إلى تقاطيع وجوههن Features ثم يقارنها بتقاطيع من يعرف من أهل المنطقة في البركل؛ يتبين يقينا التواصل الجيني لاهل المنطقة، أي أنهم بالفعل نسل متصل قد يصل إلى خوليوت وبعانخي وتهرقا.
إنه بركل الله المعظم.
اللهم اغفر لكل الموحدين الذين لم يشركوا بك شيئا، واغفر اللهم لجدنا (الموحد لله) خوليوت ابن بعانخي وآبائه ممن شهد لك بأنك واحد أحد.
adilassoom@gmail.com