مقالات

ريادة الأعمال والاستثمار وإصلاح بيئة الاستثمار

بقلم  : د. محمد صلاح علي الفكي

 

ريادة الأعمال والاستثمار وإصلاح بيئة الاستثمار

“الثراء الحقيقي لا يبدأ من المال، بل من العقلية التي تعرف كيف تصنع المال وتُنمّيه. والنجاح ليس حظًّا يُنتظر، بل مهارة تُكتسب وصبر يُمارس، وعطاء يُثمر.”هذه هي جوهر فلسفة تطوير الذات وصناعة النجاح

إنّ بناء الثروة يبدأ من الداخل، من العقلية المنتجة التي ترى في التحدي فرصة، وفي الفقر دافعًا لا عائقًا. فالعقلية تسبق المال، وهي التي تجذب الفرص وتُحوّل الأفكار إلى أفعال. لا يمكن جذب المال بعقلية الفقير، لأن الفقر الحقيقي هو فقر الفكر لا فقر الجيب. من يملك الرؤية والانضباط يستطيع أن يصنع لنفسه طريقًا إلى النجاح حتى في بيئة صعبة.

إنّ أفضل ما يمكن أن يُقدَّم للفقراء هو أن لا تصبح واحدًا منهم فكريًا وسلوكيًا، بل أن تكون جزءًا من منظومة إنتاج تُمكّنهم من تجاوز الفقر بكرامة. فالأغنياء الحقيقيون هم الذين يبنون المصانع، ويموّلون المستشفيات، ويؤسسون المدارس، لأنهم يدركون أن الثروة مسؤولية اجتماعية قبل أن تكون امتيازًا شخصيًا. التنمية لا تقوم على المساعدات المؤقتة، بل على إنتاج الفرص المستدامة.

وفي جوهر العملية الاقتصادية، لم تعد الشهادة الأكاديمية هي معيار التفوق، بل المهارة العملية التي تُترجم المعرفة إلى إنتاج وقيمة. السوق اليوم لا يشتري الأوراق بل القدرات، ولا يُكافئ الحفظ بل الإبداع. ولذلك، فإن إصلاح بيئة الاستثمار يبدأ من إصلاح منظومة التعليم والتدريب لتصبح بوابة للمهارة والريادة.

أما العلاقات، فهي رأس مال غير منظور. العلاقات تبني الجسور التي تعبر عليها الفرص. فكل علاقة مهنية متينة تُفتح بها أبواب النجاح، وكل شبكة ثقة تُكوّن نواة للاستثمار المشترك. والنجاح لا يُصنع في عزلة، بل في بيئة تفاعلية من الثقة والتعاون والالتزام المتبادل.

ويظلّ الاستثمار الحقيقي فعل صبرٍ وبصيرة، لا سباقًا نحو الربح السريع. الثروات تُبنى كما تُزرع الأشجار: تحتاج إلى جذور من العلم، وماء من الخبرة، وصبر على الزمن. من يستعجل الحصاد يقطع الثمر قبل نضجه، ومن يفهم دورة النمو يعرف أن الربح الحقيقي يأتي من التراكم لا من القفز.

وفي عمق كل استثمار ناجح تكمن القيمة الإنسانية. فالعطاء هو جوهر الثروة. كلما قدّم الإنسان قيمة أكبر لمجتمعه، كسب أكثر، ليس فقط مادياً، بل معرفياً ومعنوياً أيضاً. الشركات التي تبني فلسفتها على الإبداع والعطاء تُكافأ بثقة الناس واحترامهم، وهي الثروة التي لا تُقاس بالمال.

ومن هنا، فإن إصلاح بيئة الاستثمار لا يعني فقط تعديل القوانين أو تبسيط الإجراءات، بل إصلاح العقلية المؤسسية والفردية معاً. فالعقلية المنغلقة تُبدّد الفرص، والعقلية المتفتحة تخلقها. الاستثمار الناجح يحتاج إلى قيادة رشيدة، وإدارة عادلة، وسياسات مستقرة تعزز الثقة بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص.

التوصيات العملية لإصلاح بيئة الاستثمار وبناء اقتصاد منتج:

1. التركيز على التعليم المهاري والتطبيقي وربط مخرجاته بحاجات السوق.

2. تأسيس صناديق تمويل صغيرة للمشروعات الإنتاجية للفقراء والشباب، تقوم على المشاركة لا على الديون.

3. تحفيز الأغنياء والمستثمرين على المساهمة في التنمية الاجتماعية عبر مزايا ضريبية وتشجيعية.

4. تبسيط الإجراءات الاستثمارية وتفعيل الشفافية لتشجيع المستثمرين الوطنيين والمغتربين.

5. دمج ثقافة العطاء الإنتاجي في الشركات باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها لا عملاً خيرياً عابرًا.

6. تمكين المرأة المنتجة عبر دعم المشروعات المنزلية وربطها بالمنصات التسويقية الرقمية.

7. نشر الوعي المالي والريادي في المدارس والجامعات والإعلام التنموي.

8. الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية كشرط لنجاح أي بيئة استثمارية.

9. ترسيخ العدالة الاقتصادية بتشريعات توازن بين حقوق العمال والمستثمرين.

10. بناء عقلية وطنية منتجة تؤمن أن العطاء أول طريق الثراء، وأن خدمة الناس هي أسمى أشكال الاستثمار.

إنّ ريادة الأعمال ليست مجرد تأسيس مشروع، بل تأسيس عقلية جديدة للحياة. وعندما تتغير العقلية من التلقي إلى الإنتاج، ومن الخوف إلى المبادرة، ومن انتظار الوظيفة إلى صناعة الفرصة، حينها فقط نكون قد بدأنا الإصلاح الحقيقي لبيئة الاستثمار.

فالمال يأتي ويذهب، لكن العقل المنتج، والمهارة الراسخة، والعلاقات القائمة على الثقة، والصبر على البناء، والعطاء للآخرين — هذه هي الثروة التي لا تنفد، وهي الركيزة التي تُبنى عليها نهضة الأمم.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى