إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
وردت في سورة التغابن آيتان متتاليتان:
الأولى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التغابن14.
والثانية قوله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} التغابن15.
وردت الآيتان في مجال النصح والإرشاد والتنبيه والتحذير، إذ قد يكون من بين الأزواج والأولاد عدو، فالعداء قد يكون (من بعض) الأزواج والأولاد، وليس من كل الأزواج والأولاد، لذلك جيء في الآية الأولى بحرف الجر من حيث قال الله تعالى (من أزواجكم وأولادكم)!.
بمعنى أنه قد يلتهي به عن العمل الصالح، كقوله تعالى: {لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} المنافقون9، ولهذا قال تعالى ههنا {فاحذروهم} قال ابن زيد: يعني على دينكم، وقال مجاهد {إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم} قال: يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه.
ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في خواطره:
في هذا القول نجد أن العداوة تأتي من الأزواج قبل الأولاد، ونعلم أن الزوجة في بعض الأحيان هي التي تكره أولاً ثم يتأثر بكراهيتها ويتشبه بها الأبناء، وهذا كلام منطقي؛ لأن الذي يتكلم هو رب حكيم.
أما الآية الثانية فالحكم فيها عام، إذ الفتنة تكون في المال (كله)، وفي الأولاد (جميعهم)، فالله تعالى يمتحن العبد بالمال كله لا ببعضه، ويمتحن العبد بالأولاد جميعهم لا ببعضهم، ليظهر ما في علمه تعالى من شكر العبد ربه على نعمة المال والولد، أو كفره وجحوده وإيثار ماله وولده على طاعة ربه الذي منحه المال ورزقه الأولاد.
ولما كان الحكم على المال والأولاد بالفتنة عاماً، لم يؤت في الآية الثانية بحرف الجر من كما جاء في الآية الأولى التي تتحدث عن عداوة بعض الأزواج والأولاد، لأن الحكم هناك غير عام، فليس كل الأزواج والأولاد أعداء، في حين أن كل الأموال والأولاد فتنة، وقد جاء بختام الآية الأولى مرغباً في الصلح والعفو بالوعد بغفران الله ورحمته، لإطفاء نار العداوة بين الآباء والأبناء أو الأزواج والزوجات، فالمهم أخذ الحذر والاحتراس، لا إشعال العداء بين الناس.
وجاء ختام الآية الثانية ترغيباً في أجر الله تعالى العظيم، حتى تكون الرغبة فيه والحرص عليه سلاحين للعبد أمام فتنة المال والولد، فلا يفتنه ماله أو ولده عن طاعة الله وعبادته، والسير على صراطه المستقيم، فأجر الله العظيم خير وأفضل من الانشغال الدائب بالمال والولد، وهجر طاعة الله الذي منح المال والولد.
اللهم احفظنا واحفظ ازواجنا وابناءنا جميعا واجعلهم عونا لنا على الطاعة والاخبات لله، واجعلنا لهم كذلك عونا وقدوة، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com