
مذكرات نازحة (٢)
قرار الفرار
بدءاً أود أن أشير إلى أن كتابة مذكرات النزوح لاتنتظر العودة إلى الديار لتكتب لأنه مع مرور الأيام تسقط بعض التفاصيل من الذاكرة ، كما أن العودة ستكون لها حكاياتها التى سترتبط بالواقع ومشاهداته ، وهذه المذكرات ليست كالمذكرات الشخصية التى يجلس لها صاحبها بعد أن يكون قد تقاعد عن الحياة السياسية أو المهنية ولكنها توثيق لحقبة زمنية معينه عشنا فيها تفاصيل لم تكن لتعاش لولا هذه الحرب ، وربطتنا بولايتا الأم والتى لم نكن لنقضي فيها هذه الفترة الزمنية كذلك لولا هذه الحرب .
ولنعد للحظة البداية كان خروجي من مقر إقامتى بمنطقة الصالحة مفاجئاً لي ، فبرغم أنني كنت أصر على الخروج من الصالحة ليس خوفاً من أصوات ضرب الطيران واهتزاز الجدران ، ولكنى كنت اتوجس من انفلات أفراد الدعم السريع وحاولت إقناع والدتي بضرورة خروجنا لكنها رفضت مجرد التفكير فى الأمر بحجة أن أبنائها وبنتها كلهم فى الجيش ولايمكن أن تخرج وتتركهم هكذا ، حاولت كذلك إقناع زوجي بضرورة أن نغادر إلى حين وكانت حجتي (انا عندي بنات، وكانت مع بناتي إبنة اختى التى تركتها أمها معنا وذهبت لأداء العمرة قبل اندلاع الحرب ) وهذه العبارة تكفي لنقل قلقي إلى زوجي (وزي مابقولوا أهلنا الفالح زي الصالح ، مرت الأيام وإنفلت زمام الدعامة وصار ما كنا نخشاه لكننا كنا قد عبرنا) لكنه أخبرني أن رحلة الخروج تحتاج إلى مبلغ كبير من المال لا يتوفر لدينا فى ذلك التوقيت ، مع تنامي القلق وأصوات الرصاص ومضادات الطيران أخبرني زوجي فى تانى أيام العيد أننى وعيالي صباح الغد سنغادر إلى ولاية نهر النيل موطن اهلي وعشيرتي ، لم اصدق حديثه واعتبرها مزحة لأن كل الدلائل كانت تشير إلى عدم إمكانية السفر ، وقلت فى نفسي ( ياخبر بفلوس بكره ببلاش ) ولأن الكهرباء كانت مقطوعة كنا ننوم فى الحوش لصعوبة النوم على (السطوح) فلحظة تأتي الطائره تحتار ماذا تفعل ، أقسم بالله فى واحدة من المرات ومع صوت الارتطام أو الإطلاق لم أستطع الجري أو التحرك وتشهدت فى مكاني في انتظار الأجل المحتوم فيما جري الجميع إلى الداخل .
المهم فى الصباح طرق الباب وجأنى زوجي ليقول لى ( العربية جاهزة يلا أطلعوا) بهذه البساطة ونحن حتى تلك اللحظة لم نكن قد رتبنا أنفسنا للسفر ، إذن الموضوع جدي لم افكر كثيراً فتحت شنطة السفر وقلت لعيالي ( كل واحد يشيل غيار يومين او تلاته ) وتركت لهم اختيار ما يردون وهرولت لوداع والدتى التى لم تكن تبعد عنى كثيراً ، وعندما رجعت وجدت أن عيالي والشنطة قد استقروا فى العربة ، حاولت أن أدخل لآخذ بعض الأشياء المهمة لكن زوجي اعترضنى بحجة أننى سأكون السبب فى تأخير الرجل وكل الذي استطعت أن أفعله حملت كمية من البسكويت (خبيز العيد) فى كيس .
ونواصل …..
نبض الورد
خلاصة تجربة النزوح
( تخرج من دارك حزين ح تلاقي الفرح عند مين )