
الصمغ العربي: الاسم، التاريخ، والجوانب القانونية للملكية الفكرية
• حكى الدكتور عبد الماجد عبد القادر، الأمين العام السابق لمجلس الصمغ العربي، رحمه الله، أنه في إحدى المناسبات الرسمية ذُكر أن شجرة الهشاب المنتجة للصمغ العربي تُعرف علمياً باسم أكاشيا سينيقال Acacia senegal.
• عندها بادر الوزير بالتوجيه لتغيير الاسم إلى أكاشيا سودان Acacia sudan، معلناً استعداده لإصدار قرار رسمي يثبت “حق السودان” في التسمية.
• وذكر صديق آخر أفريقي، بروفيسور شارك في إعداد مسودة سياسة الغابات بجنوب السودان بعد اتفاقية نيفاشا، أنه فوجئ عند إيداع الوثيقة على منضدة المجلس التشريعي بأن اسم “الصمغ العربي” قد استُبدل بـ “الصمغ الأفريقي”، مع الإشارة إلى الاسم القديم بين قوسين بعد إلحاق كلمة “سابقاً”.
• وسبق أن أثير الجدل حول ما إذا كان الصمغ العربي هو ذاته “المن” المذكور في الكتب السماوية.
• وبالأمس، أرسل د. أبو هريرة حسن أحمد مقطعاً لفتاة سودانية تدعو لاستبدال اسم “الصمغ العربي” بـ”الصمغ السوداني”، مؤكدة أن الكوشيين كانوا أول من اكتشفه واستخدمه في التثبيت والتطهير والتحنيط، مما يعزز الهوية السودانية وحقوقها التأريخية.
• وقد دفعتني هذه المواقف المتكررة إلى إعادة طرح مسألة الاسم، وتقديم مقترح يوازن بين الهوية والمعرفة العلمية واحتياجات السوق.
• من المعروف أن لكل نبات اسم علمي دولي معترف به، يخضع لقواعد دقيقة تشمل الخصائص الظاهرية (المورفولوجية)، والموقع الجغرافي، وأول منطقة وُصف فيها النوع. ولا يجوز تغييره بقرار سياسي أو رغبة وطنية مهما كانت المبررات.
• ومعلوم أن الشجرتين الوحيدتين المنتجتان للصمغ العربي هما الهشاب (Acacia senegal) والطلح (Acacia seyal).
• كما كان مسمى الصمغ العربي يقتصر تاريخياً على صمغ الهشاب فقط، ولم يُدرج صمغ الطلح ضمن التعريف الرسمي إلا بعد تعديل المواصفة الدولية عام 1999.
• يعود ربط تسمية شجرة الهشاب علمياً بالسنغال إلى العينة النباتية الأولى التي وُصفت في السنغال، وفق قواعد التصنيف النباتي المعتمدة.
• بينما جاء اسم “الصمغ العربي” من التجار الأوروبيين، الذين كان يصلهم أغلب الإنتاج من سواكن عبر بوابات موانئ البحر الأحمر في اليمن والحجاز منذ العصور الوسطى، رغم أن مصدره الفعلي كان غالباً السودان.
• وحسب المخطوطات القديمة، لم يكن الصمغ العربي يُعرف باسم البلد المنتج فقط، بل كان يُصنف حسب الإقليم المنتج.
• فكان الصمغ يُسجَّل في الموانئ الأوروبية باسم “صمغ كردفان”.
• هذا التصنيف التجاري كان يعكس نقاء الصمغ العربي السوداني، وثباته وتجانسه وقلة شوائبه.
فأصبح علامة جودة عالمية، ومرادفاً للفئة الممتازة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
• هكذا، لم يكن “صمغ كردفان” مجرد تسمية، بل كان تصنيفاً تجارياً معتمداً في سجلات الموانئ البريطانية والفرنسية.
• جمع بين المنشأ الجغرافي، النوعية المتميزة، والسمعة التأريخية، وعُد علامة منشأ تعامل كختم جودة في الأسواق العالمية.
• عليه، وبناءً على هذا الإرث التجاري الراسخ، يمكن اعتماد صيغة: “الصمغ العربي السوداني – منشأ كردفان”، في حال الرغبة في تغيير الاسم.
• فهذه الصيغة تُبقي على الاعتراف العالمي بالاسم، وتُبرز جذوره التاريخية وبيئته وسمعته المتوارثة.
• وفي الوقت ذاته، تمهّد لحمايته القانونية بوصفه مؤشراً جغرافياً مرتبطاً بالمنشأ.
• تشمل عملية الحماية:
1. تحديد الحدود الجغرافية للإقليم المنتج المراد حمايته (كردفان مثلاً).
2. وصف بيئته الطبيعية مثل التربة، المناخ، والعوامل المؤثرة في جودة الصمغ.
3. توثيق المعرفة التقليدية المرتبطة بالإنتاج، مثل طرق طَق الأشجار، إدارة الحواكير، مواسم الجمع، وعمليات الفرز.
4. وضع معايير جودة واضحة تضمن تثبيت القيمة وإعادتها إلى المجتمعات المنتجة.
• تشير التجارب العالمية إلى أن الحماية عبر تسجيل المؤشر الجغرافي تضاعف القيمة الاقتصادية للمنتجات الريفية.
• فقد ارتفعت أسعار القهوة الإثيوبية والشاي الهندي للمزارعين بنسبة 25–65% بعد الحماية.
• وبنفس الطريقة، يمكن للصمغ العربي السوداني أن يستفيد عبر تثبيت سعر أعلى للفئة الممتازة، منع استغلال الاسم، وفتح أبواب التمويل الريفي، ودعم المجتمعات المنتجة.
• ومن المهم التأكيد أن حماية الصمغ العربي عبر المؤشر الجغرافي لا تعني احتكار السودان للمنتج أو نفي وجوده في دول أخرى، إذ تنتجه بلدان عديدة في الإقليم.
• فالمؤشر الجغرافي يقتصر فقط على حماية الصمغ المرتبط ببيئة جغرافية محددة (كردفان)، وخصائص مميزة نشأت في إطارها، دون أن يمس حق الآخرين في إنتاجه أو تسويقه. وهو بذلك أداة لضبط الاسم، وتعزيز القيمة، لا لاحتكار المورد.
• أخيراً، يمثل الصمغ العربي السوداني إرثاً طبيعياً وتجارياً متجذّراً. وتوفر حمايته عبر تحديد المؤشر الجغرافي وسيلة لصون اسمه وخصائصه التأريخية، وضمان حق الاستفادة الحصرية منه، بما يفيد المجتمعات المنتجة ويعزز مكانة السودان كأهم موطن للصمغ العربي عالمياً.
آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.




