مقالات

البيئة تبدأ من الإنسان

بقلم  : د. عبد العظيم ميرغني

البيئة تبدأ من الإنسان

• في سجل النقاشات الكبرى التي تشكل وعي الأمم، هناك لحظات لا تصنع بالضجيج، بل بالوضوح الأخلاقي المباغت.

• هي لحظات تنسحب فيها البلاغة، ويعلو فيها صوت الحق وحده.

• فتتبدد مساحة المناورة، ولا يبقى للخصم إلا الصمت.

• تلك اللحظات يسميها البعض “”الضربة الحُجّية القاضية knock out argument”، أو لحظات “قلب الطاولة”.

• وقد عرفت البشرية كثيراً من هذه المواقف.

• كلمات قليلة أسقطت أسوار القوة، وأعادت رسم حدود الوعي.

• وأثبتت أن الشعوب التي تحتفظ في عمقها بحس أخلاقي لا تُهزم مهما تعثرت.

• في الجلسة الأخيرة لوزراء البيئة العرب بموريتانيا برز مشهد من هذا النوع. فعندما طُلب من ممثل السودان حصر مداخلته في “موضوع البيئية”، وتجنب ذكر الإنسان وحقوقه، جاء الرد: الإنسان هو جوهر البيئة ومحورها، ولا معنى للحديث عن البيئة بمعزل عن صون حياة الإنسان وكرامته وحقه في العيش فيها.

• كان الرد حاسماً ومعبرا وبسيطاً في صياغته، عميقاً في دلالته. وباسلوب “قلب الطاولة”.

• لقد أعاد تعريف الموضوع في لحظة واحدة: حماية البيئة تبدأ من حماية الإنسان، وتنتهي عنده.

• البيئة ليست مشاهد خضراء، أو ملفات تقنية، وهي ليست خارج الإنسان بل نسيج وجوده نفسه، وإطار وجوده كله.

• من ينسى أصله من تراب يضل وجهته ويقود الأرض وذاته نحو الخراب.

• فكل فقدٍ للأرواح أو انهيارٍ اجتماعي هو في جوهره تدهور بيئي.

• لقد قدمت الفلسفات البيئية الحديثة، وعلى رأسها “أخلاقيات الأرض”، رؤية تعيد تعريف المجتمع ليشمل الإنسان والكائنات والتربة والماء والهواء في منظومة واحدة.

• فلا مكان لمنطق الفصل بين الطبيعة والإنسان؛ لأن سقوط أي طرف يعني انكسارًا للكل.

• ولعل على الفضاء العربي أن يلتقط هذه اللحظة باعتبارها دعوة لمراجعة مفهومه للبيئة.

• من يفصل الإنسان عن الماء والتربة والأمن لا يحمي البيئة؛ بل يفرغها من معناها.

• إن كلمة السودان لم تكن اعتراضًا بروتوكوليًا، بل استعادة لبوصلة أخلاقية غابت طويلًا.

• إنها تذكير بأن البيئة ليست ملفًا ثانويًا يُزاحم أجندة التنمية، بل شرطها الأول.

• البيئة قضية مصير لا ترفًا تجميليًا، والإنسان هو بوصلتها وغايتها وحارسها.

• وحين يسطع الحق في لحظة كهذه، لا يحتاج إلى صخب ولا إلى جلبة؛ يكفيه أن يكون حقًا.

• وهكذا جاء صوت السودان في موريتانيا: ثابتًا، نظيفًا، وواثقًا.

• لم يتحدث عن غابة أو نهر فقط، بل عن الإنسان — البداية والغاية، والمستحق الأول للحماية.

• صوت يذكر بأن الأمم لا تُبنى بالشعارات، بل بالمعاني التي تحفظ كرامة الناس وأرواحهم.

• وهي لحظة صغيرة في ظاهرها، كبيرة في معناها.

• لحظة لا تغير مسار جلسة فحسب، بل تعيد ترتيب الفكرة في الوعي، وتشعل جذوة أمل في زمن يشتد فيه الظلام.

• فكثير من الكلمات المخلصة غيرت مجرى التاريخ… وهذه واحدة منها.

آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى