مقالات

ويبقى الأثر

بقلم : د. عبد العظيم ميرغني

ويبقى الأثر

• على امتداد تجربتي المهنية والشخصية، كثيراً ما تأملت في معنى القيادة، فوجدتها فيمن يصنعون الأثر بالفعل لا بالقول.

• ويؤمنون بأن القيادة الحقيقية ليست في افتعال المعارك، بل في تحويل الفرص إلى إنجازات ملموسة بلا ضجيج.

• ولأن القيادة تقاس بالأثر لا بالموقع، فقد تجلت أمامي في نماذج شتى.

• في العام 2014، حين تولى البروفيسور إبراهيم آدم الدخيري إدارة هيئة البحوث الزراعية، كانت وحدة الموارد الوراثية النباتية قد شهدت تطورًا لافتًا في مقتنياتها وتجهيزاتها وتوسّع كوادرها، حتى تجاوزت إمكانات الوحدات التقليدية وصارت تضاهي مراكز متقدمة في الإقليم.

• وكانت فكرة ترقيتها إلى مركز قد طُرحت من قبل مديرها آنذاك، الدكتور الطاهر إبراهيم، منذ العام 2012.

• فجاء الدخيري ليمسك بالخيط الواصل بين الطموح والواقع، واستصدر وزير الزراعة والغابات حينها، إبراهيم محمود، قراراً بترفيع الوحدة إلى مركزٍ بمسماها الحالي: مركز صيانة وبحوث الموارد الوراثية النباتية الزراعية.

• وحين أصبح الدخيري وزيرًا للزراعة والغابات، تكرر المشهد ذاته. فقد وجد قانون التصحر حبيس الأدراج منذ صدوره عام 2009، فأعاده إلى الحياة بقرارٍ رئاسي في نوفمبر 2016 بإنشاء الأمانة العامة للمجلس القومي للتصحر، لتبدأ أولى خطوات تنفيذه على أرض الواقع — فعلاً لا قولاً.

• ثم في العام 2017، حين تولى إدارة المنظمة العربية للتنمية الزراعية، حمل رؤيته إلى الفضاء العربي، وأحدث حراكاً غير مسبوق في قضايا البيئة.

• ففي ذلك العام برز دور المنظمة في مؤتمر الأطراف الثالث عشر للتصحر بالصين، الذي شهد أوسع مشاركة عربية في تاريخ مؤتمرات الأطراف، على المستويين الوزاري والفني.

• ومنذ ذلك الوقت، واصلت المنظمة توحيد المواقف العربية، وتقديم الدعمين الفني والمالي، وإعداد التقارير المشتركة، وبناء القدرات، وتعزيز التكامل بين الاتفاقيات البيئية — التصحر والتنوع الإحيائي وتغير المناخ — لتتحول الدول العربية من موقع المتلقي إلى موقع صانع السياسات البيئية.

• وفي مكان آخر، وعلى مقاعد الدراسة الوسطى التي أصبحت ثانوية عامة، تجلت القيادة في هيئة أكثر عفوية وبساطة مع صديقي القديم أحمد حميدة أب شنب.

• فحين كان طالباً مشرفًا على بعض خدمات زملائه الطلاب، ضحى سراً بمصروفه الشخصي ليتفادى أزمة كان من الممكن أن تشعل إضرابًا مدرسيًا.

• وفي حادثة إضراب أخرى، فُصل على إثرها من الدراسة الثانوية ظلمًا بصفته رئيس اتحاد الطلاب، وانتقل إلى مدرسة بالعاصمة كان معظم طلابها من الأقاليم البعيدة.

• تمكن بدهائه وهدوئه، من أن ينتزع — سراً وبلا ضوضاء — إعفاءً لتلك المدرسة من المشاركة في إضرابات ثورة شعبان، مراعاةً لزملائه الذين لم يكونوا سيحتملون تبعات المواجهة أو انقطاع الدراسة.

• كما تجلّت القيادة في الميادين المؤسسية والعلمية، تجلّت أيضًا في صورتها الصامتة، في سيرة رجالٍ من أمثال أستاذنا الراحل عبد العزيز بيومي، مدير الغابات ووكيل الوزارة السابق.

• عفيف اللسان، نزيه اليد، نقيّ السيرة، بعيدٌ عن الشبهات، حاضرٌ بالصدق والقدوة لا بالقول.

• فقد جعل – رحمه الله – من القدوة والانضباط رسالةً، ومن الضمير ميزانًا للأثر؛ كان يستقلّ “بص أبو رجيلة”، “شماعة” أحيانًا، إذا تتعطّلت مركبته الخاصة أو شحّ الوقود — وما أندر الوقود آنذاك — وهو وكيل وزارة، في وقتٍ كان غيره يرى المنصب تكليفًا يعلو به على الناس، لا وسيلةً لخدمتهم.

• هكذا، من قاعات المؤسسات العليا إلى فصول الدراسة، قد تبدو المسافات شاسعة، لكن جوهر القيادة واحد: القدرة على تحويل الفكرة إلى فعلٍ يصنع الأثر.

• والمشهد كذلك واحد، بل هو ذاته: أناسٌ لا يصنعون الضجيج، بل يصنعون الأثر.

جمعتكم مباركة.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى