
سعادة البروفيسور/ عصمت قرشي — وزير الزراعة والري (والغابات)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الموضوع: دعم وتعزيز إنتاج الصمغ العربي في السودان
في البدء، نتوجّه لكم بخالص التقدير على جهودكم المستمرة في إنجاح الموسم الزراعي المروي، ومتابعتكم الميدانية الدقيقة التي تعكس حرصًا وطنيًا على تعزيز الإنتاج وترسيخ الأمن الغذائي.
ونحن على يقين بأن حرصكم على صون هذه النهضة ودعم استمراريتها لا يقتصر على القطاع المروي فقط، بل يمتد إلى القطاع التقليدي الذي يمثل الثقل الأكبر في الزراعة السودانية، ويعزز قوة الدولة وصمودها.
وفي هذا الإطار، يظل الصمغ العربي مثالًا واضحًا على قدرة السودان الاستثنائية على الإنتاج والاستدامة، ويبيّن بوضوح الأسباب التي تجعل السودان — رغم كل الظروف — أكبر منتج ومصدر للصمغ العربي في العالم.
العناصر الرئيسة لهذه الميزة تكمن في أولاً، المرونة الإنتاجية، الناتجة عن تنوّع بيئات الإنتاج، من السهول الطينية شرق السودان إلى السهول والكثبان الرملية غربه، ما يمنح الصمغ العربي قدرة عالية على الصمود أمام تقلبات المناخ والظروف الطبيعية، بل وحتى الاضطرابات البشرية مثل الحروب.
وثاياً، في عنصر اتساع قاعدة الإنتاج، في حوالي ربع مساحة البلاد تقريباً، وارتباطه بخبرة تقليدية متوارثة عبر قرون ما يضمن جودة راسخة وكميات مستقرة عبر المواسم والمناطق، ويجعل المنتج السوداني متفوقًا وثابتًا في ميزاته مقارنة بغيره.
ومع خروج مساحات واسعة من مناطق الإنتاج الغربية من دائرة الإمداد في ظل الظروف الراهنة، ما تزال رقعة معتبرة من السهل الطيني في شرق البلاد قادرة على حمل الراية؛ في القضارف، النيل الأزرق، النيل الأبيض، جنوب كردفان، سنار، وحتى حظيرة الدندر، إضافة إلى مناطق واسعة في شمال كردفان.
ومع انطلاق موسم الصمغ القصير الذي بدأ بالفعل في أواخر أكتوبر، لا مجال هنا للعبارات العامة أو المجردة؛ فالحلول العملية واضحة وجلية، كضوء الشمس. ويصبح التركيز على تنفيذها أمرًا بالغ الأهمية لضمان الاستفادة القصوى من الإنتاج. وتشمل هذه الحلول:
– تشغيل مناطق الإنتاج الآمنة بكفاءة أكبر.
– تأمين تسعير محفز يقترب من سعر الصادر يكبح التهريب عبر منصة شفافة تربط المنتج بالمصدر مباشرة.
– توفير مخازن بالقرب من مراكز الشراء، وخطوط تمويل ميسرة للمنتجين الصغار.
– إعفاءات جمركية وتشجيع للمصدرين عبر القنوات الرسمية؛ نظام استلام حكومي يضمن حدًا أدنى للسعر ويعزز الاستقرار والثقة.
– ربط المنتج مباشرة بالمصدرين لضمان عدالة العائد ومنع تحكم السماسرة وتجار الحرب.
بالنظر لهذه الإجراءات العملية، يصبح من الطبيعي التأكيد على العائد المباشر للاستثمار في الصمغ العربي، الذي يدر على الخزينة العامة عشرات الملايين سنويًا ويستحق اهتمامًا خاصًا ودعمًا أكبر.
خاصة وأنه لا يحتاج لاستثمارات كبيرة، وأي استثمار فيه يعود بعائد مضاعف قد يتحقق في أقل من نصف الموسم، ما يجعله فرصة استراتيجية لتعزيز الموارد الوطنية وتنمية القطاع التقليدي.
ونحن إذ نثمن جهودكم المتواصلة، السيد الوزير، نؤكد ثقتنا الكاملة بقيادتكم الرشيدة وحرصكم الدائم على دعم الإنتاج الزراعي وتعزيز صمود القطاع التقليدي.
إن متابعتكم الدقيقة وتوجيهاتكم الحكيمة تشكل ركيزة أساسية لتجاوز التحديات الراهنة، وتعزيز مكانة السودان الرائدة عالميًا في إنتاج الصمغ العربي والمحاصيل الأخرى.
الصمغ العربي ليس مجرد سلعة، بل مورد سيادي، وتراث اجتماعي واقتصادي وبيئي متجذر في وجدان الريف السوداني. والسودان ليس منتجًا فحسب، بل موطن الصمغ العربي التاريخي وحارس جودته الأول.
قد يظن البعض أن تراجع الصمغ العربي مجرد خسارة لسلعة تُباع وتُشترى، لكن الحقيقة أبعد من الأسواق والأرقام. فهو شجرة تحرس التربة من التعرية، وتُبقي المزارع مربوطًا بأرضه، واقفًا في وجه الجفاف، ومستندًا إلى مورد آمن يحميه في سنوات القحط وفشل المواسم.
انهيار هذا القطاع لا يعني نقصًا في الصادرات فقط؛ بل يعني اقتلاع الأشجار، وتراجع الريف، وتسرّب الأسر نحو المدن في صمت، وتكوّن جراح اجتماعية لا تُرى في التقارير لكنها تنزف في الواقع. لذلك فإن الحفاظ عليه ليس خيارًا تجاريًا، بل ضرورة وطنية لحماية الأرض والناس معًا.
تُجمع كل الدراسات السابقة على أن الخطر الحقيقي على مستقبل الصمغ العربي السوداني لا يكمن فقط في تقلّص الإنتاج، بل في اهتزاز ثقة المستهلكين العالميين به نتيجة التذبذب المستمر في الكميات المعروضة وما يصاحبه من تقلبات حادة في الأسعار. هذا الواقع دفع أسواقًا عديدة للبحث عن بدائل ومصادر منافسة، في تطور خطير يهدد المكانة التاريخية للسودان كأكبر منتج ومورّد للصمغ العربي في العالم.
هذا زمان العمل لا زمن التردد، ولحظة البناء لا لحظة الانتظار. فالتاريخ لا يعفو عمن شاهد الخطر وهو يتشكل ثم اكتفى بالمراقبة؛ إذ تبدأ الأزمات صغيرة، ثم تكبر بصمت حتى تصبح كلفة تداركها أعلى وزمن علاجها أضيق.
نؤكد ثقتنا الراسخة بقيادتكم، وإيماننا بقدرتكم على توجيه هذا القطاع الحيوي نحو مزيد من الاستقرار والازدهار.
مع فائق التقدير والاحترام.
مهني غابات متقاعد




