
بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر – 17 أكتوبر
“الفقير إذا ركب الجمل عضه الكلب”.
ويقول الإمام الشافعي: لا تُشاوِر من ليس في بيته دقيق، فإنه مشتت العقل.
الجوع كافر، والفقر فتّاك، ولا سبيل إلى بناء مجتمع متوازن ما لم يستأصل الفقر بشتى أنواعه من جذوره.
يصنف الفقر حسب عمق المعاناة ومستوى المعيشة إلى ثلاثة أنواع:
• الفقر المطلق: العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية كالطعام والمأوى والتعليم والصحة والمياه النظيفة، ويُعد كل من يعيش على أقل من 2.15 دولار في اليوم فقيرًا حسب المعيار العالمي لسنة 2022م.
• الفقر النسبي: مرتبط بمستوى المعيشة السائد في المجتمع.
• الفقر المدقع: يعجز فيه الفرد عن الحصول حتى على الحد الأدنى من الغذاء.
كما يمكن تصنيفه حسب طبيعة الحرمان والعوز إلى نوعين:
• فقر مادي: مرتبط بالدخل والموارد المالية.
• فقر متعدد الأبعاد: يشمل الحرمان من التعليم والصحة والعمل والحياة الكريمة.
من حيث النشأة، يبرز:
• الفقر الهيكلي الناتج عن اختلال السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
• الفقر الدوري المرتبط بالتقلبات الموسمية كالفيضانات والجفاف أو الاقتصادية كالركود.
• الفقر المتوارث بين الأجيال نتيجة ضعف فرص التعليم.
• الفقر الطارئ الناتج عن الكوارث والحروب، كما نعيشه اليوم.
وفي البعد المكاني أو المهني، يتجلى الفقر بأشكال مختلفة:
• الفقر الحضري حيث تنتشر البطالة وغلاء المعيشة.
• الفقر الريفي الذي يسود بين الزراع والرعاة التقليديين.
رغم التقدم العلمي، لا تزال الصورة العالمية محزنة، إذ يعيش اليوم أكثر من 690 مليون شخص في فقر مدقع، ويعاني نحو 1.1 مليار من فقر متعدد الأبعاد.
وعلى مستوى السودان، تشير التقديرات إلى أن 71٪ من السكان يعيشون في فقر مدقع، و52.3٪ فقراء متعدد الأبعاد، و17.7٪ معرضون للفقر، مع توقعات بتضاعف هذه النسب بسبب النزوح، وانقطاع الخدمات، وتدهور البنية التحتية.
في مواجهة هذه التحديات، تركز استراتيجية محاربة الفقر في السودان على تمكين الفئات الضعيفة اقتصاديًا واجتماعيًا، من خلال تحسين الإنتاج الزراعي—حيث لا يزال أكثر من 90٪ من النشاط الزراعي يعتمد على الزراعة المطرية التقليدية مقابل 7٪ مروي و3٪ فيضي—وتطوير البنية التحتية الريفية، وتعزيز التعليم والصحة والمياه.
ومن النماذج الملهمة، تجربة جمعيات صغار منتجي الصمغ العربي التي طوّرتها الهيئة القومية للغابات بين 2009 و2015 بدعم من الدول المانحة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) بمنحة 10 ملايين دولار. شمل النموذج 200 جمعية في خمس ولايات، وزاد الإنتاج بنسبة 65٪، ورفع العائد النقدي من 15٪ إلى 50٪ من سعر الصادر، ومول 46 مشروعًا للبنية التحتية، مستفيدًا منه 11,346 أسرة بنسبة نساء 25٪، مما عزز سبل العيش والخدمات الريفية بشكل ملموس.
وفي الاتجاه نفسه، يبرز مشروع وادي الكوع بشمال دارفور، الذي نُفذ بين 2012 و2015 بشراكة بين حكومة الولاية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتحاد الأوروبي، بتكلفة 6.45 مليون يورو، لتحسين سبل كسب العيش لأكثر من 700 ألف شخص (11,500 أسرة). شمل المشروع إنشاء سدود وحفائر زادت المخزون المائي 17.5 مرة، ورفع المساحات المزروعة من 875 إلى أكثر من 15 ألف فدان، وأنشأ خمس غابات مجتمعية نسائية لتعزيز دخل الأسر وتحسين مستوى المعيشة، كما ساهم في تقليل النزاعات بين المزارعين والرعاة، مما أهّله لنيل جائزة الأرض للحياة 2017.
تشير تجارب جمعيات صغار منتجي الصمغ العربي ومشروع وادي الكوع إلى أن تمكين المجتمعات المحلية اقتصاديًا وتقنيًا هو مفتاح النجاح في تحسين سبل العيش للفئات الضعيفة. فهذه المبادرات العملية أظهرت كيف يمكن للمجتمعات المحلية أن تزيد الإنتاجية، وتحسن الدخل، وتطور البنية التحتية الريفية، مع الحد من النزاعات.
تمثل هذه النماذج نقطة انطلاق لاستراتيجية متكاملة لمحاربة الفقر الريفي في السودان، مع استثمار الخبرات المجتمعية المحلية لتحقيق تنمية مستدامة. مرة أخرى، يؤكد الواقع أن نجاح أي مشروع تنموي مستدام يعتمد على تمكين المجتمعات المحلية، فهي الأساس لتحقيق الأثر المنشود.
في هذا اليوم العالمي للقضاء على الفقر، تبرز أهمية العمل المشترك بين الحكومة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين لاستعادة الكرامة الإنسانية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، ودعم الفئات الأكثر ضعفًا وهشاشة، مؤكدة أن محاربة الفقر ممكنة حين تتوفر السياسات العادلة والمستدامة التي تركز على الإنسان.
آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.