
ود مدني: قلب الجزيرة النابض ورمز الهوية والإنتاج القومي
ود مدني، عروس المدائن، مدني السني ليست مجرد مدينة على ضفاف النيل الأزرق، بل رمز للأصالة والبساطة وموطن للقيم السودانية الأصيلة. فهي قلب الجزيرة النابض وأرض المحنة، التي ارتبطت في وجدان الشعب بالعمل والإنتاج والحياة الكريمة. منذ نشأتها، جمعت المدينة بين الإرث الزراعي العريق والموقع الاستراتيجي والبنية العلمية، ممثلة في جامعة الجزيرة و البحوث الزراعية – ود مدني، فصارت حاضنة للبحث والتعليم والتجارة والثقافة، ومسرحًا للحراك الاجتماعي والاقتصادي، مما منحها مكانة خاصة في الضمير الوطني وحافظ على الهوية القومية السودانية.
مع التحولات العالمية نحو المدن الذكية والمتخصصة، تبرز ود مدني كخيار استراتيجي لتصبح العاصمة القومية للإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري. هذا التحول يعيد توزيع التنمية ويكسر المركزية التقليدية التي اختزلت السودان في الخرطوم، العاصمة السيادية السياسية، التي تظل مركز القرار السياسي والدبلوماسي والإداري. نقل وزارات الزراعة والصناعة والتجارة إلى ود مدني يمكن المدينة من إصدار القرارات الإنتاجية من قلب الجزيرة، حيث الأرض والبحث والعمالة والأسواق، بدلًا من أن تبقى محصورة في مكاتب بعيدة عن الواقع الإنتاجي.
في المقابل، تبرز بورتسودان كعاصمة دبلوماسية ولوجستية، ليست فقط لموقعها البحري كميناء رئيسي، بل لقدرتها على أن تصبح منصة للتجارة الدولية والتبادل الاقتصادي والدبلوماسي، ما يمنح السودان عمقًا بحريًا وتجاريًا عالميًا، ويعزز دوره في العلاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
بهذا النموذج تصبح السودان دولة المدن المتخصصة: الخرطوم كعاصمة سيادية سياسية، ود مدني كعاصمة إنتاجية، وبورتسودان كعاصمة دبلوماسية ولوجستية، مع توزيع باقي المدن وفق طبيعة إنتاجها ومهامها، مثل الأبيض للثروة الحيوانية، وعطبرة للنقل والسكك الحديدية، لتتكون شبكة متكاملة تحقق التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتربط بين الماضي العريق والمستقبل الذكي.
وهذا النموذج يجد إشاراته في مدن زراعية ذكية حول العالم، مثل مدينة Wageningen الهولندية كمركز أبحاث زراعي متكامل، مونتيري المكسيكية مركز صناعات غذائية متقدمة، وبنغالور الهندية مدينة ذكية تدمج الزراعة بالتكنولوجيا، مما يؤكد أن ود مدني يمكن أن تتحول إلى مركز إفريقي متقدم إذا ما استثمرت إمكاناتها الزراعية والصناعية وربطتها بالابتكار والتصدير العالمي.
الأبعاد الاستراتيجية لهذا التحول متعددة: اقتصاديًا لتوسيع القيمة المضافة وفرص العمل، اجتماعيًا لتعزيز الانتماء القومي وتقليل الهجرة الداخلية، إداريًا لإصلاح الخدمة المدنية وتوزيع الوزارات بحسب طبيعة وظائفها، دبلوماسيًا لتمكين بورتسودان كمنصة للتعاون الدولي والإقليمي، وقانونيًا لضمان استقلالية المدن المتخصصة ومنع إعادة المركزية التقليدية.
إن ود مدني ليست مجرد مدينة، بل مشروع قومي متكامل يحافظ على الهوية القومية والتاريخية، ويترجم القيم الوطنية إلى إنتاج وابتكار. وتحويلها إلى عاصمة إنتاجية، واعتبار الخرطوم عاصمة سيادية سياسية، وبورتسودان عاصمة دبلوماسية ولوجستية، يحقق رؤية وطنية متوازنة، حيث يتكامل القرار السياسي مع الإنتاج واللوجستيات، وتصبح شبكة المدن المتخصصة ضمانًا للتنمية المستدامة، وتعزيز الانتماء الوطني، والحفاظ على قيمنا الثقافية والتاريخية. فبهذا يتحقق الهدف الأسمى: سودان متوازن، متطور، محافظ على هويته، ومتجه نحو المستقبل بمدن متخصصة ذكية وقومية، وود مدني قلب هذه الرؤية.
ود مدني: مؤهلة لأن تكون العاصمة الإنتاجية، حيث يصدر القرار الزراعي والصناعي والتجاري من موطنه الطبيعي، وسط الحقول والمصانع والمعاهد البحثية.
هذا النموذج يحقق التوازن، ويكسر احتكار المركز للقرار، ويفتح أفقًا جديدًا للمدن السودانية الأخرى كي تتحول بدورها إلى مدن متخصصة (مثال: بورتسودان للتجارة البحرية، الأبيض للثروة الحيوانية، عطبرة للنقل والسكك الحديدية).
الأبعاد الاستراتيجية للتحول
1. اقتصاديًا: يدعم تنويع الاقتصاد وزيادة القيمة المضافة عبر الصناعات التحويلية، ويعزز التصدير.
2. اجتماعيًا: يقلل الهجرة الداخلية نحو الخرطوم، ويخلق فرص عمل للشباب، ويعزز الانتماء المحلي.
3. إداريًا: يرسّخ إصلاح الخدمة المدنية بتوزيع الوزارات بحسب طبيعة وظائفها.
4. دبلوماسيًا: يجعل من ود مدني منصة للتعاون الدولي الزراعي والتجاري، عبر المعارض والمؤتمرات العالمية.
5. قانونيًا: يتطلب تشريعات جديدة تدعم استقلالية المدن المتخصصة، وتمنع إعادة إنتاج المركزية.
ود مدني كمنطقة اقتصادية متكاملة
لتحقيق هذا التحول، يمكن تصميم مشروع قومي يقوم على:
إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تضم البحوث الزراعية، الصناعات التحويلية، والميناء الجاف.
تأهيل سكة حديد الجزيرة وربطها بالموانئ البحرية.
رقمنة الأسواق الزراعية والصناعية وربطها بمنصات التجارة العالمية.
إطلاق برامج تعاون بين الجامعات والمراكز البحثية والقطاع الخاص لتعزيز الابتكار.
التوصيات الاستراتيجية
1. اعتماد ود مدني رسميًا كعاصمة قومية للإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري.
2. نقل وزارات الزراعة والصناعة والتجارة إلى ود مدني ضمن خطة المدن المتخصصة.
3. إنشاء هيئة عليا للمدن المتخصصة، لتنسيق توزيع الأدوار بين الأقاليم.
4. تطوير البنية التحتية الرقمية والذكية، وربط ود مدني بمنظومات الذكاء الصناعي والتحول الرقمي العالمي.
5. إقامة معارض ومؤتمرات دولية سنوية في ود مدني، لجعلها منصة للتعاون الإفريقي والعالمي في الزراعة والتجارة.
6. سن تشريعات تمنح المدن المتخصصة استقلالية إدارية ومالية، وتضمن الشفافية والحوكمة الرشيدة.
7. إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار، لتترسخ فكرة الانتماء والمشاركة الشعبية.
إن ود مدني ليست مجرد مدينة، بل هي رمز استراتيجي للهوية السودانية، وجسر بين الماضي الزراعي العريق والمستقبل الصناعي الرقمي. تحويلها إلى عاصمة قومية للإنتاج ليس حلمًا بعيدًا، بل مشروع دولة يعزز الانتماء والهوية، ويعيد توزيع التنمية بعدالة، ويضع السودان على طريق المدن الذكية المتخصصة، حيث تتكامل السياسة مع الإنتاج، والعلم مع العمل، والهوية مع المستقبل.