عالم السفر وصناعة الطيران: رؤية استراتيجية لتطوير المطارات الدولية السودانية
بقلم : د.محمد صلاح على الفكى

عالم السفر وصناعة الطيران: رؤية استراتيجية لتطوير المطارات الدولية السودانية
في عالمنا الحديث، لم تعد صناعة الطيران مجرد وسيلة للتنقّل، بل أصبحت مؤشرًا لمدى انفتاح الدول، ورافعة حقيقية للاقتصاد، والاستثمار، والسياحة، والنقل اللوجستي. فالمطارات اليوم تُبنى برؤية استراتيجية: تربط الداخل بالخارج، وتربط أطراف الوطن ببعضها، وتضع الدولة على خارطة العالم الحديثة.
من هذا المنطلق، فإن الحديث عن المطارات وصناعة السفر مدخلٌ لرؤية وطنية شاملة، تبدأ من البنية التحتية، وتمر عبر الإدارة والكفاءات، ولا تنتهي إلا عند بوابة التنمية المستدامة.
جلسة عائلية في منزل الوالد في أحد أيام يناير 2022م، كانت الشرارة لهذا التفكير. جلسةٌ عفوية، لكن مضامينها اتخذت طابعًا عميقًا، جمع بين الذكريات الخاصة، والرؤى الكبرى.
في مساءٍ هادئ من يناير 2022م، اجتمعت الأسرة في بيت الوالد، احتفالاً بقدوم شقيقتي من الولايات المتحدة الأمريكية برفقة زوجها المهندس الوليد عبدالرحمن منصور وأطفالهما. كانت الأجواء تمتلئ بالفرح والدفء، امتزج فيها الحنين بالأحاديث المتنوعة، حتى قادنا الحديث تلقائيًا إلى عالم السفر وصناعة الطيران.
بصفتي من المهتمين بالسفر، بدأت أستعرض المطارات التي زرتها خلال الأعوام الماضية، وكل اسم كان يحمل في طياته ذكرى:
أديس أبابا، القاهرة، الدوحة القديمة، جدة، المدينة المنورة، الشارقة، دبي، المنامة، إسطنبول، صبيحة، أنقرة، ومطار حمد الدولي.
وفي لحظة تفاعل حيوية، قاطعني الوليد، الذي يحمل خبرة عملية في تصميم وصيانة المطارات ضمن منظومة الطيران المدني الأمريكية، قائلاً:
“مطار حمد الدولي يُعد من أفضل المطارات عالميًا. يُقارن بمطار شانغي في سنغافورة، ناريتا في طوكيو، وشارل ديغول في باريس، وكيب تاون في جنوب إفريقيا. ليس فقط من حيث البنية التحتية، بل من حيث تجربة المسافر المتكاملة.”
ثم أضاف:
“هل تعلم أن الولايات المتحدة تضم أكثر من 14,712 مطارًا، منها 1,696 مطارًا معتمدًا من منظمة إياتا؟ هذا دليل على أن صناعة الطيران ليست رفاهية، بل بنية استراتيجية تُمكّن الاقتصاد وتدعم الأمن والتنمية المستدامة.”
تحوّل النقاش تلقائيًا إلى الوضع في السودان، وتحديدًا الحالة المتردية التي آل إليها مطار الخرطوم، والذي بات رمزا للتراجع بدلاً من كونه واجهة حضارية للدولة. وعلّق أحد الحضور ساخرًا مطار الخرطوم مخرج :
“مغترب يسأل عن أفضل صالة لإقامة حفل زواجه، فردّ عليه شخص: صالة المغادرة!”، فانفجر الجميع ضحكًا.
لكن الوليد، رغم دعابته، عاد ليتحدث بنبرة جادة عن رؤية استراتيجية لتطوير المطارات السودانية، مشيرًا إلى ما طرحه البروفيسور محمد حسين أبوصالح من رؤى واعدة لإنشاء مطارات دولية متكاملة في مدن مثل دنقلا، نيالا، بورتسودان، وكوستي.
“ليست مستحيلة”، قال الوليد، “السودان يمتلك كفاءات هندسية تعمل في أهم مطارات العالم. ما ينقصنا هو التخطيط، والقيادة، ووضع الوطن أولوية حقيقية.”
وبسؤاله عن أفضل موقع بديل لمطار الخرطوم الحالي، أجاب بثقة:
“الجيلي أو قرى شرق النيل تمثل خيارًا استراتيجيًا: قريبة من الطرق القومية نحو الشمال والشرق، ويمكن ربطها بالسكة الحديد، كما أن الأرض هناك واسعة، ما يسهل تصميم مطار بمعايير عالمية دون عوائق عمرانية أو تضاريسية.”
كانت جلسة عائلية، لكنها تحولت تدريجيًا إلى حلقة نقاش استراتيجي تمزج ما بين الذكريات الشخصية، والخبرة الفنية، والرؤية الوطنية.
خرجنا منها بإدراك عميق: أن السفر ليس مجرد عبور للحدود، بل هو بوابة للنهوض، وعنوان لمدى ارتباطنا بالعالم.
وأن الحديث عن الطيران والمطارات، مهما بدأ من جلسة منزلية، قد يحمل شرارة لرؤية وطنية تستحق أن تُبنى.