مقالات

التقرير السري للموظف بين الشفافية والحوكمة: نحو نموذج استراتيجي للأداء والارتقاء المهني

بقلم: د. محمد صلاح علي الفكي

 

التقرير السري للموظف بين الشفافية والحوكمة: نحو نموذج استراتيجي للأداء والارتقاء المهني

في عالم الحوكمة الحديثة، لم يعد الموظف مجرد منفذ للتعليمات أو متلقٍ للتقييم السنوي من مديره المباشر، بل أصبح شريكًا أصيلًا في صياغة مساره المهني. فالتقرير السري الذي كان يُكتب عن الموظف في الخفاء، دون علمه، تحوّل في كثير من التجارب العالمية إلى تقرير أداء ذاتي يكتبه الموظف بنفسه، ويُعرض على الإدارة ضمن منظومة شفافة للتقييم مبنية على نتائج ملموسة وقابلة للقياس.

النموذج القديم: التقرير السري التقليدي

كان يُكتب بمعزل عن الموظف وغالبًا دون علمه بمحتواه.

اعتمد على الانطباعات الشخصية للمدير أكثر من اعتماده على نتائج الأداء.

شكّل أداة للترقي أو الحرمان من الترقي بناءً على تقييمات قد يشوبها التحيز أو المجاملة أو حتى الصراع الشخصي.

غاب عنه عنصر التغذية الراجعة، حيث لم يكن الموظف يعرف نقاط ضعفه أو قوته إلا متأخرًا أو ربما لا يعرفها مطلقًا.

أدى في حالات كثيرة إلى نزاعات إدارية بسبب شعور الموظفين بالظلم أو الغبن.

النموذج الحديث: تقرير الأداء الذاتي

يكتبه الموظف بنفسه، مدعومًا بالأدلة والنتائج المحققة.

يُراجع في جلسة حوارية مع المدير لضمان المصارحة والشفافية.

يعتمد على أدوات حديثة مثل بطاقة الأداء المتوازن (BSC) والدليل الإرشادي للتنفيذ لقياس الأداء بمؤشرات كمية ونوعية.

يربط الإنجاز الفردي بالأهداف المؤسسية والاستراتيجية العامة للدولة.

يتحول التقييم إلى أداة تعليمية وتطويرية تساعد الموظف على النمو المهني لا مجرد أداة حكم إداري.

تعزيز حقوق الموظف: يتيح للموظف عرض إنجازاته والدفاع عن أدائه.

تقليل النزاعات: الشفافية تحد من الشكاوى الإدارية والاستئنافات المتعلقة بالترقي أو النقل أو الفصل

المرجعية القانونية: معايير التدرج الوظيفي محددة وموثقة، ما يقلل الاجتهادات الفردية ويعزز العدالة المؤسسية.

  إرساء مبدأ المساءلة: الموظف والمدير معًا مسؤولان عن دقة وصحة التقرير.

تحقيق تكافؤ الفرص: يحصل الجميع على تقييم موضوعي قائم على الأداء الفعلي لا على العلاقات الشخصية.

البعد الاقتصادي والاجتماعي

زيادة الإنتاجية: يرتبط التدرج والترقية بالإنجازات الفعلية، مما يحفز الموظف على الأداء العالي.

رفع كفاءة الإنفاق العام: الأجر والترقية يصبحان استثمارًا في موظف منتج، لا تكلفة على الدولة.

الرضا الوظيفي: الشفافية تعزز الروح المعنوية وتقلل الإحباط.

الاستقرار المؤسسي: بيئة عمل عادلة تقلل الصراعات الداخلية وتعزز الولاء المؤسسي.

الأثر المجتمعي: موظف راضٍ ومنتج ينعكس أثره إيجابًا على أسرته ومجتمعه، مما يعزز الثقة في مؤسسات الدولة.

الإدارة الحديثة: يربط الأداء الفردي بالخطط الاستراتيجية، ويقلل الهدر الناتج عن الترقيات غير المستحقة.

تحسين بيئة العمل: يعزز ثقافة الثقة داخل المؤسسة ويدفع المدراء لتطوير مهاراتهم القيادية.

الدبلوماسية المؤسسية: يعكس التقييم الشفاف صورة الدولة كدولة تحترم مبادئ الحوكمة الرشيدة، ويزيد جاذبيتها للاستثمارات.

بناء صورة إيجابية: الموظف المنضبط والمنتج يصبح سفيرًا غير مباشر لبلده في المحافل الدولية.

مزايا كتابة الموظف لتقرير أدائه بنفسه

تعزيز الشفافية: معرفة الموظف نقاط قوته وضعفه من واقع الأداء.

تحفيز على الإنجاز: عرض إنجازات ملموسة يضيف مصداقية للتقييم.

العدالة والموضوعية: تقليل فرص التحيز أو المجاملة.

بناء ثقافة مؤسسية: التقييم يصبح أداة تعلم مستمر.

سنغافورة: ربط تقييم الموظف بمؤشرات دقيقة للأداء، ما جعل الخدمة المدنية أكثر كفاءة وفاعلية.

كندا: كتابة تقارير نصف سنوية ذاتية تُراجع مع المدير في جلسة حوارية مفتوحة، مما يعزز الثقة المتبادلة.

المملكة المتحدة: أنظمة تقييم إلكترونية لمتابعة الأداء وربطه بخطط التدريب والتطوير الوظيفي.

التوصيات

1. تبني نموذج كتابة التقرير الذاتي ضمن عملية تقييم شاملة تعتمد على النتائج والمؤشرات الكمية.

2. ربط التدرج الوظيفي ببرامج تدريبية إلزامية ومعايير أداء معلنة للجميع.

3. إصدار دليل إرشادي للتنفيذ يحدد خطوات التقييم بوضوح ويضمن العدالة المؤسسية.

4. الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة مع تكييفها للبيئة الوطنية.

5. تحويل التقييم من أداة إدارية إلى مشروع استراتيجي لبناء كفاءات الدولة.

6. تضمين البعد القانوني بما يحفظ الحقوق ويقلل النزاعات.

7. تعزيز البعد الاقتصادي والاجتماعي لتعظيم الإنتاجية والرضا الوظيفي والاستقرار المؤسسي والمجتمعي.

8. استخدام التقييم الشفاف لتعزيز الإدارة الحديثة وصورة الدولة دوليًا، وجعل الموظف سفيرًا للقيم المؤسسية.

الإنسان هو رأس مال الدولة الحقيقي، وعندما نحترم جهده ونمنحه أدوات الشفافية والعدالة، يتحول كل موظف إلى قوة فاعلة في تحقيق التنمية. تقرير الأداء الذاتي ليس مجرد نموذج إداري، بل رسالة واضحة: أن العدالة والموضوعية والالتزام بالنتائج هي طريق الارتقاء بالدولة وبأبنائها.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى