مقالات

الإعلام: القطاع الحيوي لرأس المال المعرفي

 بقلم  : د. محمد صلاح علي الفكي

 

الإعلام: القطاع الحيوي لرأس المال المعرفي

الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو ترفيه الجمهور، بل أصبح قطاعًا حيويًا واستراتيجيًا يربط جميع عناصر التنمية: الاقتصاد، التعليم، الإدارة، التكنولوجيا، والسياسات العامة. ومع تزايد أهمية رأس المال المعرفي كأهم مورد للأمم في القرن الحادي والعشرين، يصبح الإعلام هو القاطرة التي تحوّل المعرفة الفردية والمؤسساتية إلى قوة اقتصادية واجتماعية ملموسة.

رأس المال المعرفي يشمل الخبرة، الابتكار، المعلومات، والمهارات المخزنة في الأفراد والمؤسسات، والتي إذا لم تُستثمر، تبقى طاقات خامدة لا تُفيد سوى أصحابها. وعندما تُدار هذه المعرفة عبر الإعلام الاستراتيجي والمنصات الرقمية، تتحول إلى مشاريع اقتصادية، سياسات فعالة، وأدوات بناء وطني مستدام.

أهمية الإعلام في إدارة رأس المال المعرفي

1. الإعلام كقائد للوعي الوطني

يبسط المعرفة ويحيلها إلى رسائل واضحة للمواطن.

يعزز ثقافة الإنتاج والمشاركة والمساءلة.

يوجّه السياسات الوطنية نحو أهداف ملموسة ويحفز الاستثمار في الأفكار والمهارات.

2. الإعلام كحاضنة للمعرفة

يربط بين البحوث الأكاديمية والتطبيق العملي، فتتحول الأفكار النظرية إلى برامج ومشاريع واقعية.

المنصات الرقمية والإعلام الجديد تجعل المعرفة متاحة لكل فئات المجتمع، وتنتقل الخبرات من الفرد إلى الجماعة بشكل منظم وفعال.

3. الإعلام كأداة استراتيجية ودبلوماسية

داخليًا: يعزز الشفافية ويخلق بيئة ثقة بين المواطن والدولة، ويزيد فرص نجاح السياسات الوطنية.

خارجيًا: يشكل الإعلام الناعم أداة دبلوماسية لتعزيز صورة الدولة ومكانتها الإقليمية والدولية، ويجذب شركاء اقتصاديين وعلميين.

تجارب عالمية ناجحة

1. سنغافورة

استثمرت الدولة الإعلام في بناء مجتمع معرفي متكامل.

أنشأت منصات إعلامية تربط الجامعات والبحث العلمي بالقطاع الصناعي، مع التركيز على تبسيط المعرفة للجمهور وصانعي القرار.

أسهم الإعلام في خلق وعي وطني حول الابتكار والاقتصاد الرقمي، ما جعل البلاد تنافس عالميًا رغم قلة الموارد الطبيعية.

2. ماليزيا

الإعلام الوطني ركّز على نشر المعرفة الاقتصادية والاجتماعية، مع دعم سياسات التعليم والتدريب المهني.

البرامج الإعلامية والتوعوية ساهمت في تحفيز ريادة الأعمال وتمكين الشباب، وتحويل رأس المال البشري إلى ثروة وطنية.

3. رواندا

بعد الصراعات، استُخدم الإعلام لتجميع رأس المال المعرفي الوطني، عبر توثيق الخبرات والمبادرات المحلية وتعميمها على المجتمع.

أسهم الإعلام في تعزيز الهوية الوطنية وبناء سياسات تعليمية واقتصادية حديثة.

الرؤية الاستراتيجية لإطلاق رأس المال المعرفي عبر الإعلام

تستند الرؤية إلى دمج الإعلام بكل أبعاده مع إدارة رأس المال المعرفي لتحقيق أثر اقتصادي واجتماعي متكامل:

1. إعادة تعريف الإعلام كقطاع قيادي: ليس مجرد ناقل للخبر، بل قائد للتغيير والتنمية.

2. تأهيل الكوادر الإعلامية: لتصبح قادرة على التعامل مع لغة الاقتصاد، والسياسات، والتنمية، وتحويل المعرفة إلى محتوى ملموس.

3. إطلاق منصات وطنية متكاملة: تجمع بين الإعلام، البحث العلمي، والخبرة المؤسسية، وتحوّل المعرفة إلى محتوى عملي يُستثمر على الأرض.

4. بناء شراكات مستمرة: بين الجامعات، مراكز البحوث، الإعلام، والقطاع الخاص لتوحيد الرسائل الوطنية وربط المعرفة بالواقع.

5. الرقابة الإيجابية والتقويم: استخدام الإعلام لرصد تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية وتقديم النقد البنّاء لتحسين الأداء المؤسسي.

النتائج المتوقعة

زيادة وعي المجتمع بأهمية المعرفة واستثمارها في التنمية.

تحويل الأفكار الفردية والمؤسساتية إلى مشاريع اقتصادية واجتماعية ملموسة.

بناء إعلام قادر على قيادة جميع القطاعات الوطنية نحو أهداف استراتيجية واضحة.

رفع كفاءة المؤسسات والقطاعات المختلفة من خلال المعرفة المشتركة والتوثيق المستمر.

تعزيز مكانة الدولة داخليًا وخارجيًا من خلال إدارة رأس المال المعرفي بشكل فعال.

الإعلام ليس مجرد مكمل لإدارة رأس المال المعرفي، بل هو القطاع الحيوي والمحرك الأساسي الذي يضمن أن تتحول المعرفة إلى قيمة فعلية. عبر الإعلام الواعي والمنصات المتكاملة، يمكن لأي مجتمع أو دولة إطلاق ثروتها المعرفية، تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز القوة الوطنية الناعمة.

فالذي يفرغ ما لديه من معرفة وخبرة عبر الإعلام والمنصات المؤسسية، لا يضيع جهده، بل يساهم في بناء وطن قادر على مواجهة تحديات المستقبل، ويترك إرثًا مستدامًا للأجيال القادمة.

مركز النيلين لدراسات البناء الوطني

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى