مقالات

المرأة وصناعة الاستقرار الاستراتيجي: من الأسرة إلى التنمية المستدامة

بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

 

المرأة وصناعة الاستقرار الاستراتيجي: من الأسرة إلى التنمية المستدامة

إن أي مشروع وطني للتنمية لا يمكن أن ينجح بمعزل عن دور المرأة، وهذا ما أكدته الاستراتيجية ربع القرنية (2007–2031م) في السودان حين جعلت من تمكين المرأة والأسرة والتعليم والصحة ركائز أساسية لتحقيق التنمية المتوازنة. كما أن أهداف التنمية المستدامة الـ 17 التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015 وضعت في صميمها قضايا المرأة والأسرة، بدءًا من القضاء على الفقر وضمان الصحة والتعليم والعمل اللائق، وصولًا إلى بناء مجتمعات قوية. وتؤكد تجارب دولية مثل رواندا بعد الحرب وسنغافورة في مرحلة النهوض أن الاستثمار في المرأة وتمكينها داخل الأسرة والمجتمع يمثل مدخلًا جوهريًا للتنمية المستدامة.

المرأة هي الركيزة الأساسية في بناء الأسرة، فهي القلب النابض الذي يمنحها معنى الاستقرار والاستمرار. وفي ظل غياب الزوج لأسباب متعددة – كالعمل أو السفر أو أي ظرف يحول دون قيامه بواجباته المباشرة – تتحمل المرأة أدوارًا مضاعفة تجعلها تدير شؤون الأسرة بقدرة مركبة تتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.

فهي تدير الموارد المحدودة بكفاءة وتوازن بين المصروفات والاحتياجات، وترعى الأبناء تربويًا وتعليميًا وقيميًا، وتوفر لهم الدعم النفسي والعاطفي لتعويض غياب الأب مع الحفاظ على مكانته وهيبته داخل الأسرة. وفي كثير من الحالات تمارس المرأة عملًا إضافيًا لتأمين الدخل، مما يجعلها تجمع بين أعباء الوظيفة والبيت في نموذج متقدم لإدارة الوقت وتحديد الأولويات.

كما أن استقرار الأسرة يبدأ من استقرار الأم نفسيًا وجسديًا وروحيًا؛ فالصبر والتحمل ليسا مجرد قيم أخلاقية، بل أدوات استراتيجية تحمي الأسرة من الانهيار وتبقيها متماسكة. وبفضل هذا البعد، تظل المرأة زوجة وفية، وأمًا حانية، ومديرة حكيمة لشؤون المنزل، وعاملة مجتهدة، ومربية صابرة.

إن أثر هذا الدور يتجاوز حدود الأسرة ليطال المجتمع بأكمله؛ فالأسرة المتماسكة تنتج أبناءً أسوياء قادرين على المشاركة في البناء والتنمية، والمرأة التي تتحمل هذه المسؤوليات تساهم في ترسيخ مجتمع قوي راسخ الأسس.

إن المرأة ليست مجرد شريك في التنمية، بل هي الركيزة الأساسية لصناعة الاستقرار الاستراتيجي، وصمام الأمان الذي يحفظ الأسرة والمجتمع معًا. فتمكينها في إدارة شؤون البيت والموارد، ورعاية الأبناء، والتوفيق بين متطلبات الأسرة والعمل، يجعلها قوة إنتاجية ومعرفية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية والتنمية المستدامة الأممية في آن واحد. وصبرها وتحملها ليسا مجرد فضيلة شخصية، بل آليات استراتيجية تحمي الأسرة من الانهيار وتبني أجيالًا متوازنة. وقد برهنت التجارب العالمية – من رواندا إلى سنغافورة – أن الاستثمار في المرأة وتمكينها هو خيار استراتيجي للتنمية الشاملة. ومن هنا، تبرز المرأة بوصفها فاعلًا استراتيجيًا في صياغة الاستقرار الوطني وصناعة المستقبل المستدام على المستويين المحلي والدولي.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى