مقالات

 الاستراتيجية ليست ورقة… بل عقد نهضوي ملزم

بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

 

الاستراتيجية ليست ورقة… بل عقد نهضوي ملزم

د. محمد صلاح علي الفكي

> “الخطط العظيمة لا تغيّر شيئًا إن لم ينهض بها رجال ونساء عظماء، مؤمنون، صادقون، ملتزمون، ومساءلون.”

في السودان، وكثير من دول الجنوب الطامحة، ليست المشكلة في صياغة الاستراتيجيات، بل في القدرة على ترجمتها إلى واقع. تتعدد الوثائق، وتتشابه المبادئ، وتُرفع الرؤى بعناية… لكن دون إرادة تنفيذية، ودون آليات مؤسسية، تصبح الاستراتيجية حبرًا على ورق.

لقد رُفعت مؤخرًا الاستراتيجية ربع القرنية 2025–2050 إلى مجلس السيادة، بعد أن عكف عليها بيت خبرة وطني، تقوده قامة فكرية ووطنية سامقة، أستاذنا البروفيسور محمد حسين أبوصالح، حفظه الله. وقد تشكّل أيضًا مجلس لحكماء السودان، يحمل ذات الروح والرؤية.

إن الفرصة التاريخية الآن هي: توحيد الجهود لا تشتيتها، وتلاقي الرؤى لا تفريغها. فليتّحد العلم بالحكمة، ولتندمج الرؤية الوطنية مع الخبرة المؤسسية، عبر مسارٍ عملي يجعل من مجلس الحكماء ذراعًا استراتيجيًا فاعلًا، وضاغطًا وطنيًا نزيهًا للتنفيذ والمتابعة والمساءلة.

🔷 ملاحظات جوهرية في واقعنا التنموي:

1. استراتيجيات تُكتب بعناية… لكنها لا تُنفّذ بجدية: الوفرة في الخطط تقابلها ندرة في المتابعة، وضعف في الالتزام التنفيذي.

2. تشابه الوثائق لا يساوي تشابه الأداء: فنجاح الدول لا يتأتى من النصوص، بل من المؤسسات، والقيادة، والمساءلة، والمشاركة المجتمعية.

3. الفجوة بين الورق والواقع: الاستراتيجيات قد تُبنى على نوايا نبيلة، لكن الواقع تديره المصالح والفساد وضعف الموارد.

4. نقطة الأمل: يمكن تفعيل الاستراتيجية الجديدة إذا ما تم اعتماد:

دليل إرشادي للتنفيذ.

قانون يُلزم المؤسسات بخطط تنفيذية واضحة.

مؤشرات أداء قابلة للقياس.

متابعة دورية وتقييم شفاف.

تمكين المجتمع المدني والإعلام الرقابي.

🔶 اقتراح عملي: تشكيل “لجنة وطنية عليا لتنفيذ الاستراتيجية”، تحت إشراف أعلى جهة سيادية، وتُمنح:

سلطة حقيقية لا شكلية.

ميزانية تشغيل كافية.

طاقم مهني مدرّب.

دعم إعلامي وطني لتقاريرها.

🔷 تنبيه نقدي منهجي: كثير من الرؤى التنموية التي طُرحت في السودان كانت مستوردة من تجارب دول أخرى تختلف عنا في الجغرافيا، وفي البنية السكانية، وفي التحديات الاجتماعية والثقافية.

ولذلك فإن السودان بحاجة إلى رؤية وطنية خالصة، تُبنى على تشخيص عميق للواقع السوداني ذاته، بكل تعقيداته، ومصادر ضعفه، ومواطن قوته. نحتاج إلى قوانين تستوعب عاداتنا وتقاليدنا، ونُظم تعليم وعدالة واقتصاد منبثقة من الهوية السودانية الجامعة.

🔷 في مسار الإصلاح، من الطبيعي أن تظهر اختلافات في الرؤى والمناهج. لكن التحدي الحقيقي هو أن نُدير هذا التنوع بروح الشراكة لا التنافس، وبمنهج التقييم لا الإقصاء.

إن الرؤية الحقيقية للخروج من أزمات الدولة السودانية لن تأتي من تنظير معزول عن الواقع، ولا من مقارنات نمطية مع دول تختلف جذريًا عنا، بل من عقل استراتيجي وطني، مهني، ميداني، يعيش واقع الناس ويملك أدوات التغيير.

📣 فالاستراتيجية، في جوهرها، ليست ورقة… بل:

عقد اجتماعي.

أداة نهضة.

منظومة شاملة: رؤية + تنفيذ + رقابة + إرادة سياسية.

صوتٌ للناس… لا للنُخب فقط.

وما لم نربط بين التخطيط والإرادة، وبين الورق والفعل، وبين القول والعمل، ستظل استراتيجياتنا رسائل تُلقى في بحر بلا موانئ، وتُقرأ في المؤتمرات لا في واقع الناس.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى