الرياضة في مواجهة إدمان الشاشات : استراتيجية حياة من أجل تركيز قوي وصحة أفضل
بقلم : د. محمد صلاح على الفكى

الرياضة في مواجهة إدمان الشاشات:
استراتيجية حياة من أجل تركيز قوي وصحة أفضل
نحن بحاجة إلى أن نعيد تعريف الرياضة في حياتنا: ليست فقط وسيلة للترفيه، بل استراتيجية شاملة لحياة متزنة، وصحة مستدامة، وتركيز ذهني نحتاجه في عالم تعصف به الشاشات والمشتتات.
ينصح الأطباء المرضى وكبار السن بممارسة رياضة المشي بانتظام، كونها وسيلة فعالة للحفاظ على اللياقة، وتحسين الدورة الدموية، والوقاية من كثير من المشكلات الصحية المرتبطة بالركود والخمول.
سألتني شابة تركية بدهشة حقيقية: “قطر دولة عربية؟” لم يكن اندهاشها من موقع الدولة، بل من المستوى المبهر الذي رأته خلال كأس العالم 2022. لم تصدق أن كل هذا الإنجاز يتم في دولة عربية، لأن كثيرًا من الأتراك لا يحبون مقارنة أنفسهم بالدول العربية أو الإفريقية، ويفضلون المقارنة بدول العالم الأول.
لكن الحقيقة أن التميز لا يعرف جنسية، وإنما يتجسد في الرؤية، والانضباط، والاهتمام ببناء الإنسان.
في مجتمعاتنا، يقضي الصغار والكبار ساعات طويلة أمام الشاشات – الهاتف، الكمبيوتر، التلفاز – مما يسبب مشكلات صحية متزايدة: إجهاد العين، آلام الرقبة، اضطرابات النوم، ضعف التركيز، مشاكل في الجهاز العصبي والقلب، بل وحتى الإدمان الرقمي.
طفلة سُئلت: “بتمشين مع من؟ بابا أم ماما؟” فأجابت بعفوية صادمة: “أمشي مع الواي فاي!”، وهذه الإجابة تكشف حجم الارتباط والانفصال عن الواقع.
الرياضة تُعد أحد الحلول الفعالة لمواجهة هذا الواقع. فهي تخفف التوتر والإجهاد، تعزز النوم الجيد، تقوي الثقة بالنفس، وتمنح شعوراً بالسعادة. كما تسهم في تقوية القلب والعضلات، وخفض ضغط الدم والكوليسترول.
في المدارس، تُستخدم التربية البدنية كأداة لتفريغ الانفعالات واستثمار الطاقة الزائدة. لذلك ينصح المختصون الطلاب بممارسة تمارين خفيفة أثناء الدراسة والمذاكرة، مثل تحريك الكتفين، تمارين الرقبة، الضغط، أو الجري الخفيف، لتحفيز الذهن وتنشيط الدورة الدموية.
وللرياضة أثر واضح في بناء التوافق الذهني والبدني. السباحة مثلًا، كانت سببًا في شفاء البطلة سارة جاد الله من آثار شلل الأطفال، لتصبح بطلة عالمية بعد أن أوصى الأطباء بها كعلاج طبيعي.
أما الجمباز، فكان له أثر في انضباط الأجيال، كما فعل أستاذ بدرالدين في مدارس بخت الرضا، حيث كان حريصًا على الرياضة الصباحية، فكان أحد أبنائه لاحقًا بطلًا في الكاراتيه.
ركوب الخيل يُنمي الثقة بالنفس، والرماية تعزز التركيز في زمن كثرت فيه المشتتات.
حتى في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نجد بُعدًا رياضيًا وإنسانيًا جميلاً. فقد تسابق مع السيدة عائشة رضي الله عنها، فسبقته أولًا، ثم لما زاد وزنها سبقها هو، وقال لها مازحًا: “هذه بتلك” – في مشهد يجمع المرح بالعدل واللياقة.
الرياضة ليست رفاهية… إنها ضرورة لبناء الإنسان.
.