مقالات

البعد التربوي المتجدد من واقع الممارسة والاثر: في حضرة القدوة

بقلم : د . محمد صلاح علي الفكي 

 البعد التربوي المتجدد من واقع الممارسة والاثر: في حضرة القدوة

كثيرون مرّوا في حياتي، لكن قلّة فقط ظلّ أثرهم حيًا في قلبي وعقلي، وكان والدي، الأستاذ صلاح علي، من هؤلاء القلّة. لم يكن مجرد والد، بل كان قدوة، ومربّيًا بالفطرة، ومشروعًا تربويًا متجددًا. خريج معهد إعداد المعلمين مبروكة – معهد بخت الرضا، أدرك قيمة التعليم باكرًا، وأخلص له حتى في أوقات التحول والانتقال بين المهن. بدأ حياته المهنية معلمًا في مدارسة سكة حديد ود مدني اساس والمحريبة، ثم عمل سكرتيرًا لنادي النهضة بود مدني، واحتفظ بعضويته في نادي الوطن بمدينة الدويم، وهناك، عمل مع جيرانه والخيرين على بناء مسجد الحي، وتولى خطبة الجمعة، ينشر القيم ويغرس الأخلاق.

لاحقًا، عدّل مهنته إلى محاسب بالمحلية الإدارية، دون أن يتخلّى عن رسالته التربوية، بل ظل يحث من حوله على القيم الفاضلة، ويدعو لترك العادات الذميمة، والانضباط في الأعمال، ويكرر كثيرًا: “اتعب كي ترتاح”، وكان يقول لتلاميذه: “اربط المذاكرة بأحلامك المستقبلية، ولا تترك العمل، لا بد من الترويح كما حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم: روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة.” وكان يستشهد بقول الإمام الشافعي: “للجد أوقات، وللهزل مثلها، ولكن أوقاتي للجدّ أقرب.”

كان يكره النفاق والكذب، ويردد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم. أيكون كذابًا؟ قال: لا.” وكان حديثه عن التخطيط وبناء الأهداف يحمل بصيرة عميقة، يقول دائمًا: “لا تكن فاقد البوصلة، عشان تحقق أحلامك لا بد أن تكون لك خطة واضحة، لكن سلّم الأمر كله لله، خيرة الله خيرتنا، المخطط هو الله، والعبد في التفكير، والرب في التدبير.” وهي رؤية تجمع بين علم الاستراتيجية وروح التوكل، وتكشف عن عقل يرتب خطواته بإيمان عميق.

كان محبًا للرياضة، يلعب كرة القدم، ويشارك في العمل الاجتماعي والدعوي، بعيدًا عن العصبية، محبًا للارتحال إلى مكة والمدينة. أنشأ في بيته بالكلاكلة- الخرطوم مكتبة صغيرة، تضم كتب الحديث ومصادر موثوقة، وكان مولعًا بالاطلاع، لا يفوّت فرصة للتعلم. تلقى دورات مكثفة في ديوان الحسابات بالخرطوم، ما مكّنه من الجمع بين الرؤية التربوية والانضباط الإداري. وقد ألّف كتبًا ومخطوطات في التربية لم ترَ النور بعد، ووعد بروفيسور محمد علي أحمد، عميد كلية اللغات بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، بتنقيحها ونشرها لما فيها من قيمة علمية وتربوية.

ما كتبته هنا ليس فقط من باب الحنين، بل وفاءٌ مستحق لرجل جمع بين العقل والقلب، بين العلم والعمل، بين التخطيط والتوكل، وظل مشروعه ممتدًا في القلوب والعقول. هذه الصفحات جزء من مذكراتي، كتبتها في ديسمبر 2008م، وأنا أسترجع تفاصيل إنسان عظيم، وأوقن أن الخير الذي تركه في الناس لا يزال حيًا، وسيبقى.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى