مقالات

غابات السودان في مفترق الطرق : سؤال إلى معالي رئيس الوزراء

بقلم د. عبد العظيم ميرغني

غابات السودان في مفترق الطرق: سؤال إلى معالي رئيس الوزراء

• بدءاً، لا يسع المنصف إلا أن يُثني على نهج رئيس الوزراء في ثلاث محطات مفصلية جسّدت حرصه على وضع السودان على سكة الإصلاح الحقيقي.

أولاً، لطرحه خارطة طريق لحكومته تستند إلى تشخيص موضوعي لما أصاب الدولة من اختلالات، وما يلزم لإصلاحها، كخطوة جريئة تعكس رؤية رجل دولة يدرك أن الإصلاح يبدأ بالاعتراف بالمشكلات.

• ثانياً، لتعهّده باتباع نهج الشفافية في إدارة شؤون الدولة، التزاماً مؤسسياً، يُقاس ويُحاسَب عليه.

• ثالثاً، لإعادة البيئة وزارة ضمن التشكيل الوزاري الجديد بعد غياب، في دلالة واضحة إلى أن البيئة ليست شأناً هامشياً، بل عنصراً أصيلاً في أجندة الدولة الحديثة.

• لكن، رغم هذا التقدير، لا يمكن غضّ الطرف عن غياب الغابات من التشكيل الوزاري الجديد، رغم ما تحظى به من ذكر معتبر في كتاب “السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل”، خارطة طريق حكومة الأمل، لا سيما في إشاراته إلى أهمية الغطاء النباتي (ص 26)، ودور المشروعات التعويضية (ص 400)، والحاجة للإصلاح المؤسسي (ص 356).

• يقول سعادة رئيس الوزراء في صفحة 403 من الكتاب: إن الذين لا يقرأون التاريخ، حريٌّ بهم أن يعيدوه ويكرروه، ويقعوا في هاوياته، ويرتكبوا أخطاءه.”

• تاريخياً، وعلى مدى أكثر من قرن وربع، ومنذ أول هيكلة وزارية عام 1954، ظلّت الغابات متلازمة مع الزراعة، باستثناء فترتين قصيرتين: عام 1996 لستة أشهر، ومن 2009 إلى 2015 حين أُلحقت فيها بوزارة البيئة.

• وهي تجربة أثبتت، أن تبعية الغابات لوزارة البيئة غير عملية. فالبيئة قطاع رقابي يُعنى بوضع السياسات والمعايير، لا بإدارة موارد إنتاجية معقدة كالتي تمثلها الغابات.

• وهذا ما عبّرتُ عنه بتفصيل في مذكرة رسمية رفعتها عام 2014، لمعالي وزير الزراعة والري – اسم الوزارة بعد فصل الغابات عنها وإلحاقها بالبيئة– قبل أن تعود الغابات مرة أخرى لوزارة الزراعة بعد ذلك ببضعة أشهر، وتستعيد اسمها التقليدي، وزارة الزراعة والغابات.

• كان على رأس تلك الأسباب الموضوعية التي ضمنتها المذكرة، وضع الغابات الهيكلي الشاذ في البيئة حينذاك، إذ كانت “الغابات” تخضع لرقابة لجنة الشئون الزراعية بالمجلس الوطني بينما تخضع كافة مؤسسات وزارة البيئة الأخرى، لإشراف لجنة البيئة والصحة.

• وفي حين كانت الغابات تخضع لإشراف القطاع الاقتصادي لمجلس الوزراء، كانت بقية مؤسسات الوزارة الأخرى تتبع لقطاع الخدمات بالمجلس الموقر، مما جعل من الصعب تصنيف البيئة: وزارة خدمية أم اقتصادية؟

• أما على مستوى الولايات، فنسبة لإشراف وزراء الزراعة هناك على “الغابات”، عليه فإن في وجود “الغابات” تحت مظلة وزارة الزراعة الاتحادية، يسهم في تعزيز التنسيق بين المركز والولايات في الشأن الغابي.

• كما أن إبقاء “الغابات” تحت مظلة وزارة البيئة، في الوقت الذي تتبع فيه بحوث الغابات لهيئة البحوث الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، يهزم المبدأ الذي من أجله تم تحويل البحوث الزراعية، بما فيها بحوث الغابات، من وزارة العلوم والتقانة إلى وزارة الزراعة.

• من العوامل الأخرى التي حتمت تبعية “الغابات” لوزارة الزراعة عامل المهنة الواحدة، فالغابات زراعة وإن كانت تعنى بمحاصيل شجرية ذات دورات زراعية طويلة نسبياً، مقارنة بدورات المحاصيل الزراعية الحقلية.

• ومن الطرائف الدالة على واقع العلاقة، أنني استعنت في مرة بأسطورة شعبية، للإجابة .عن سؤال لجنة حكومية درست إعادة هيكلة الأجهزة: هل الأصلح أن تتبع الغابات للزراعة أم البيئة؟ فقلت رداً على ذلك بمجاز شعبي: إن علاقة الغابات بالزراعة تشبه علاقة الحمار بالأسد، إذ يخشاه، لكنه حين يسمع زئيره يهرع نحوه بدلاً من الفرار.

• وجود “الغابات” مع الزراعة معاً، كمستخدمين رئيسين للأرض، تحت مظلة وزارة واحدة يقلص من فرص التنافس الضار بالمصلحة العامة.

• لم يكن هذا اتجاه فردي، بل أيده أبو الغابات حينها في اجتماع اللجنة، وعبّر عنه العاملون بالغابات لاحقا برفع شعار “لا زراعة بلا غابات”، وبتمسكهم بعضوية فرعية نقابتهم تحت مظلة النقابة العامة للعاملين بالزراعة، طوال فترة التبعية المؤقتة للبيئة.

• وجود “الغابات” تحت مظلة أي وزارة اخرى خلاف وزارة الزراعة، لا ينسجم ومراحل التطور التاريخي “للغابات” التي تدرجت في حضن وزارة الزراعة على مدى 119 عاماً من عمرها البالغ حتى الآن 123 عاماً، من قسم، ثم مصلحة، ثم إدارة قومية، إلى هيئة قومية مستقلة.

• أما على الصعيد الدولي، فقد أفادت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) عام 2011 بأن 43% من بلدان العالم تتبع فيها الغابات لوزارات الزراعة، بينما تتبع في في بقية البلدان إما لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء، أو لوزارات أخرى – ليست الزراعة من بينها – أو تُدار عبر وزارات مستقلة، كما هو الحال في الصين.

• يُعد الوضع الإداري لأي قطاع في أي بلد من أبرز العوامل المؤثرة في حالته وتطوره. فالإدارة الجيدة لا تتحقق فقط بوجود مؤسسات فعالة وإطار تمكيني داعم، بل تتطلب أيضاً انسياباً وسلاسة في العمل الإداري، على مستوى العلاقات الرأسية والأفقية داخل المنظومة المؤسسية.

• ختاماً، بالنظر إلى ما تضمنته رؤيتكم الإصلاحية من تأكيد على أهمية الغطاء النباتي والمشروعات التعويضية، فإن غياب الغابات عن التشكيل الوزاري يطرح سؤالاً مشروعاً: ما موقع الغابات في مشروعكم الوطني للنهوض والإصلاح المؤسسي؟

• وهل هناك توجّه لإعادة ترتيب أوضاعها الإدارية بما ينسجم مع دورها الحيوي في الاقتصاد والبيئة؟

• بل هل من نظر في الارتقاء بها إلى هيئة سيادية أو كيان مستقل يتمتع بصلاحيات واضحة وموارد كافية، ضمن هيكلة مؤسسية تتسق مع طموحات الإصلاح الشامل؟

• هذا سؤال نطرحه بكل احترام، ونأمل أن يجد صداه في خارطة طريق تُنصف الغابات، وتُعيد لها ما تستحق من حضور مؤسسي واستراتيجي.

آمالي في حسن الخلاص؛ وتحياتي.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى