مقالات

الطلاق الوظيفي

زاوية شوف اخرى : ناجي فرح يوسف

 

الطلاق الوظيفي

 

كان بجلس بجواري في البص المتجه نحو الصبح احد الركاب الذين اعياهم الليل، وكان كل ما احس بضغط نفسي، يطلق لسانه حاكيا او مستفسرا بحيث لا يترك مساحة يتسربل إليه منها الوجع و الغبن.

قال لي ان مشكلته تكمن في النمطية التي يعيش بها و عليها الناس، وحدثني حديثا كثيرا ما فهمت منه إشارة او قصدا لاحكي لكم عنه، لكنه كان يرمي الى وضع الاماني في غير مكانها وتمكين الشر في مفاصل الخير.

وعن الشركة الضخمة التي يعمل فيها وهو عضو مؤسس، حكى لي العجب، برغم النظام الاساسي واللوائح التي تحكم عملها، فلا مجلس ادارتها ولا مديرها العام يكترثون له في اتخاذ قراراتهم، ولا يجدون اي نصح او ارشاد من حرقة المستشارين الذين يعملون بجهالتهم على تحقيق ما تقول لهم به عقولهم الخاوية وضمائرهم الخربة

كان هو مديرا لاحدى الادارات، وانه ذات صباح عند وصوله المتأخر الى مكتبه (كونه مدير يعني)، لم تقم السكرتيرة من مقعدها اجلالا له وهو يهم بالدخول إلى مكتبه. قال في نفسه، ماذا دهاها؟ كيف؟ ألم تره حين القى عليها باقة من صباح الخير.

و قطع صوتها سيل أسئلته الحيرى و يده في مقبض باب مكتبه، يا استاذ، في خطاب مستعجل لك.

أعادته هواجسه سريعا الى حيث تجلس السكرتيرة التي مازالت جالسة في كرسيها، واستلم الخطاب الذي هو انهاء خدماته، وتعيين نائبه خلفا له وامره بالقيام باجراءات التسليم والتسلم صبيحة يوم الغد.

قال لي، إنني أحسست بغبن و حسرة واسى كادت ان تؤدي بحياتي، فقررت ان اخرج الى الفناء قاصدا ظل شجرة المنقة الضخمة التي تتوسط حديقة الشركة، وبينما كان متحا لأحد المقاعد لمح صديقا له بجلس منزوبا خلفها في ذات الظل، قال لي تحركت نحوه، لكنه لم يقابلني بذات طريقته المعهودة.

ظن ان كل الدنيا قد إنقلبت ضده، ما هذا؟ يا الله، حتى اصدقائي؟ اي صباح هذا، أردت ان اخرج ما بداخلي في حضرتك ليخفف عني، لكن وجدته يعمق جراحي،.

ساد الصمت بضع دقائق، وكسر رهبة الصمت صوت صديقي قائلا: شفت ناسك عملوا شنو؟ وقبل ان اجاوبه على انه يريد مواساتي، علمت ان ما حدث معي حدث معه ومع كل مدراء الادارات، حينها ضحكنا جميعنا ويممنا و جوهنا قبلة باب الشركة ننتظر قدوم من لم يحضر بعد من المرافيد.

ونوابنا يتململون، كل يريد ان يدخل الامر لحظة التنفيذ ولاي منهم شيء في نفسه، و فعلا، تجمع كل المرافيد تحت ظل تلك الشجرة، و بدأنا في تعاطي الموضوع كل حسب زاوية شوفه، و فارقنا على ان نعود غدا لتكملة اجراءات التسليم والتسلم.

و في صبيحة اليوم التالي، أتينا مبكرين، نحن الذين كنا نتأخر قليلا بحكم اننا مدراء، كل في استقبال مكتبه ننتظر المدراء الجدد الذين كانوا ياتون إلى مكاتبهم قبلنا.

أهكذا تدار الامور؟ لماذا تم اعفاؤنا، لماذا لم نساءل او نحاسب ان كنا مخطئين وهل و هل؟ كمية من الاسئلة تزاحم بعضها وانا اترقب حضور للمدير الجديد.

منا من اكمل اجراءات التسليم، ومنا من لا يزال ينتظر، ياتي قرار جديد بفيد باقالة المدراء الجدد واعادتهم الى مناصبهم وتبع ذلك العديد من القرارات التي ادت لسد تلك الخانات فعادوا الى حيث كانوا، وتم تعييننا من جديد كمدراء ادارات، (نحن يانا نحن ذاتنا!!) طيب شالونا ليه؟ يا اما نحن كويسين او ما كويسين ، لو كويسين ما بشيلونا ولو كعبين ما برجعونا.

زميلنا الملقب بالسيناتور رجل ظريف وجميل، قال لنا يا اخوانا عشان ما تكبروا الموضوع، و الحياة تمشي طبيعية، مش في الفهم الاداري بيتم انذار الموظف تلاتة انذارات وبعد التحقيق فيما ارتكب من ذنب؟ قلنا ياهو كدا ؟ وفي المقابل الطلاق بين الرجل زوجته ياها تلاتة طلقات، والطلقة ما بتكتل ، بكتل سكات الزوج؟، ودي قد لا تحتاج لمجلس محاسبة قبل اتخاذ القرار، الطلاق دا مجالسو بتقوم وتقعد بعد ما يقع وتعود الولية لزوجها ويمارسوا حياتهم عادية كأن شيئا لم يكن، بغض النظر عمن كان ظالما، وبذلك تستمر الشراكة الزوجية بفرصتين (حبلين) فقط لا غير، فلو اعتبرتوا موضوعنا دا قوانين عمل وصاح وغلط، ما بتلقى ليهو مبرر ولا حل، لكن قيسوهو بالمبدأ القلتو ليكم دا، وفي الغالب في مجتمعنا دا ما بتحكموا معايير، يعني ممكن الراجل يكون سكران، زهجان، بليد، لا علاقة له بالانسانية، اوليس لديه من اهله من يعمل لهم حساب او هو زول ساي او في اي وضع ويتخذ قرار الطلاق لسبب ما مفروض يتخذ فيه القرار لكن الناس بتعامل لانه امر قد وقع دون التعرض وحل مشكلة من اطلق الرصاصة الاولى.

فيا دفعة قوموا الى عملكم ، وكل واحد يكون عارف إنو باقي ليهو حبلين، وضحكنا وعدنا ادراجنا، وما عارفين للآن منو الكان في مجلس ذلك الصلح الذي اعادنا ناقصين حبل ولا عرفنا هو اصلا ننقص حبل لشنو ؟

يقين برس

صحيفة اللكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى