مقالات

مرحبا ياشوق

بقلم : عادل عسوم

مرحبا ياشوق

اقتحمتني هذه الأغنية البديعة قبل قليل فإذا بالقلب مِنِّي:

عاد من بعد النوى يطوى شراعا

بالهوى يبعث فى الروح حنينا وإندفاعا!

إنها عوالم وردي عندما تسمو بالأرواح من فوق السحاب…

تنداح الكلمات ندية بصوته الفتي قبل أن يشيخ، إذ غناها وهو فى عنفوان شبابه، واستمعنا له واستمتعنا بها في بواكير شبابنا، ومافتئ صوته الدفّاق الملئ بالحيوية والمزدان بالتطريب اللامتناهي يتمشى في مفاصلنا النُعّسِ كلما استمعنا لها، فتستحيل الأجساد منا عصافيرا تحوّم في الفضاءات…

كلمات هذه الماتعة كما الزنابق والازاهير، اقتطفها بحذاقة شاعر رهيف الحس، بهي الحضور، إنه الجيلي عبدالمنعم، إبن رفاعة الذي ولد عام 1941 ليختطفه من بعد ذلك القضاء، وإذا بي ابحث له عن أغنيات أخريات، لكن للأسف لم أجد سوى الهوى الأول وأيامك لوردي ثم أغنية يتيمة غناها عثمان حسين هي ليه تسيبنا، زأمثال جيلي عبدالمنعم حري بنا ان نستكتبهم لكون ابداعهم يرتقي ويشكل وجدان الأجيال.

لا ادري إن كان اعجابي ب(مرحبا ياشوق) مرده كونها قد نظمت بالفصحى، أم لسحرٍ (ما) يكمن في سياقها ولحنها البديع، إضافة إلى أداء وردينا البديع؟!

لم يكن إلا لقاءً وأفترقنا

كالفراشات على نار الهوى

جئنا إليها واحترقنا

كان طيفا وخيالاً ورؤى

ثم ودعنا الأمانى وأفقنا.

إنها أخيلة الشعراء عندما تؤججها المشاعر، لتنسرب مع الانسام في ثنايا صوت وردي الدافئ البديع، فيمتلكك امتلاكا، وتتسرب من مكامن الطرب فيك من خلال أدق مسامه!…

ولإن قال الروائى البريطانى جوزيف كونراد: “الفنان الحقيقى هو الوحيد الذى يخاطب قدرتنا على البهجة والدهشة ويداعب فينا الإحساس بالغموض الذى يحيط بحياتنا ويحرك فينا الانفعال بالجمال والألم”

فإن وردي يفعل بنا ذلك…

إذ كم أبدع في تلحينها…

يفعل ذلك من خلال تعدد التراكيب اللحنية، وادهاش الهارموني، وابداع التوزيع الاوركسترالي، فيجعلك توقن بأن سلمنا الخماسى هذا يسع الدنيا ومافيها!..

ولم تزل شلالات الرومانسية تتدفق:

بالذى أودع فى عينيك إلهاماً وسحرا

والذى أبدع فيك الحسن إشراقاً وطهرا

لا تدعنى للأسى يدفعنى مداً وجزراً

أثقلت كفىّ الضراعات وما تقبل عذرا.

بالله عليكم توقفوا قليلا بين يدي وردي وهو يردد هذا البيت الأخير…

لكأني بجحافل الأحزان تحتشد وفي معيتها ركائب الأسى مصطفة كما الليل البهيم…

وإذا بوردي ينادي:

يا حبيباً بت أشكو حرقة الوجد إليه

وتوسلت، نذرت العمر قرباناً لديه

ما له لو عاد فالقلب رهينٌ بيديه

وعيونى ظامئات للهوى من مقلتيه.

لعمري لا أخال أغنية أخرى ورد فيها توصيفٌ لتبريح الهوى والهيام كهذا!…

والأغنية بذلك تستحق -بجدارة- تسمية البعض لها ب(نار الهوى).

ويكمل بهاء المشهد صوت وردي وهو يقول:

يا لقلبى عاد من بعد النوى يطوى شراعا

بالهوى يبعث فى الروح حنينا وإندفاعا

مرحبا ياشوق؛ أغمرنى شجونا وإلتياعا

ووداعاً للذى شيدته بين ضلوعى فتداعى.

الرحمة لكلما ولكل مبدعي بلادي.

و مرحبا ياشوق

وها هي كاملة:

مرحبا ياشوق

جيلي عبد المنعم

 

لم يكن إلا لقاء وافترقنا

كالفراشات على نار الهوى جئنا إليها واحترقنا

كان طيفا وخيالا ورؤى ثم ودعنا الأماني وأفقنا

***

بالذي أودع في عينيك إلهاما وسحرا

والذي أبدع فيك الحسن اشراقا وطهرا

لا تدعني للأسى يدفعنى مدا وجزرا

أثقلت كفي الضراعات وما تقبل عذرا

***

يا حبيبا بت أشكو حرقة الوجد اليه

وتوسلت نذرت العمر قربانا لديه

ماله لو عاد والقلب رهين بيديه

وعيوني ظامئات للهوى من مقلتيه

***

يا لقلبي عاد من بعد النوي يطوي شراعا

بالهوى يبعث في الروح حنينا واندفاعا

مرحبا يا شوق أغمرني شجونا والتياعا

فوداعا للذي شيدته بين الضلوع فتداعى

adilassoom@gmail.com

يقين برس

صحيفة اللكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى