مقالات

الديانة الإبراهيمية (التي يزعمون)

بقلم : عادل عسوم

الديانة الإبراهيمية (التي يزعمون)

3/1

سمعنا جميعا وقرأنا عن الديانة الابراهيمية المطروحة من قبل أمريكا كدين يجمع اصحاب الديانات السماوية الثلاث المعروفة، والفكرة في أصلها مسعى (فطير) لدمج الأديان الثلاثة في دين واحد جديد تحت مسمى حرية الاعتقاد، وقد تم عرضها كجزء من مفهوم الشرق الأوسط الجديد، ومعلوم يقينا أن الغاية من كل ذلك ايجاد قاسم مشترك بين دول العالم العربي الاسلامي والكيان الصهيوني.

وفكرة الديانة الابراهيمية ليست من بنات افكار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب وحكومته، انما هي (خطة سياسية) بنيت على كون النبي ابراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، وذاك أمر متفق عليه ومقبول لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاثة يهودية ومسيحية واسلام.

وتم الفراغ من بلورة هذه الفكرة منذ ثمانينيات القرن الماضي بعد أن عكفت عليها بعض المنظمات والجمعيات الأمريكية الموصولة بالصهيونية العالمية،

فما هي الملة الابراهيمية وماهي صحف ابراهيم التي أوحت لهم بهذا الدين -التوفيقي- الجديد؟.

طالما الأمر أمر خواطر وذكريات اسمحوا لي باستدعاء هذه الذكرى:

كان والدي رحمه الله مولعا بالقراءة للعقاد، فسألته مرة عن كتابه (الله) وقد وقعت في ابتداره على توصيف يقول فيه العقاد بأن ابانا آدم عليه السلام كان (همجيا)!، كنت حينها في نهاية المرحلة المتوسطة، فأوعز لي والدي بأن اكتفي بقراءة كتاباته في الأدب والشعر ان شئت، ولعله رآني لم أصل إلى السن التي استطيع عندها التعاطي والتماهي مع الطروحات الفكرية، والحق أقول بأن وصف العقاد لآدم عليه السلام هو الذي حال بيني وبين قبولي لطروحات العقاد -حتى- الأدبية منها، وبقيت أنأى بنفسي عن كل كتابات عباس محمود العقاد إلى أن استمعت يوما لماتعته (شذا زهر ولازهر) التي أبدع في تلحينها وادائها الدكتور عبد الكريم الكابلي رحمه الله، فإذا بي أعود لقراءة عددا من كتبه في خواتيم المرحلة الثانوية وبدايات المرحلة الجامعة، ومنها كتاب (الله) كاملا، وكذلك غالب كتاب (ابليس) الذي طمس ثلثه الأخير بسبب بلل أصابه فالتصقت اوراق الكتاب، ولم اسع إلى اكماله حتى الآن، والكتابان فكريان فلسفيان ولاعلاقة لهما بالأدب إلا في الصياغة واسلوب التوصيف، ولا انصح كثيرا بقراءتهما إلا للذي يعتمر أرضية فكرية ناضجة عن الدين، اذ فيهما ايغال في الفلسفة وعلم الكلام دون أي التزام من العقاد بالنصوص الاسلامية (الضابطة) لما يفترض ان تكون عليه اليقينيات عند المسلم، ولا يخصم ذلك من كم الوضاءات التي يحتشد بها الكتابان، ومن ذلك توصيف من العقاد سأجعل منه مدخلي إلى التعريف بملة ابراهيم عليه السلام.

كتب العقاد رحمه الله في مقدمة كتابه (الله):

(ترقى الإنسان في العقائد كما ترقى في العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته، فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الأديان والعبادات.. وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات)

أنتهى قول العقاد.

أقول:

بالفعل فإن قصص الأمم الاولى إلى عهد ابراهيم عليه السلام تشي بأن حياة البشرية كانت بسيطة وأنحى إلى المادية والملموسات دون المحسوسات، وبالتالي كانت جل المعجزات التي وهبها الله لانبيايه ورسله مادية (ان لم يكن كلها)، ثم أرسل الله ابراهيم عليه السلام الذي استطاع التسامي بروحه (تفكرا) في الأفلاك إلى أن قال:

{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

ثم تسامى ابراهيم (الأمة) أكثر ليصل إلى درجة علم اليقين وحق اليقين، ثم اجتاز الامتحان الرباني بذبح ابنه اسماعيل عليه السلام فاستحق الامامة.

ملة ابراهيم عليه السلام كانت أول دين ورسالة لها كتاب أو (صحف)، إذ لم يرد في القرآن والسنة أن رسولا قد آتاه الله كتابا أو صحفا من قبله منذ عهد آدم عليه السلام، وبالطبع من بعد آدم كان من الأنبياء والرسل:

شيث بن آدم.

أدريس.

نوح هود.

وصالح.

ثم ابراهيم، عليهم السلام وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام.

ملة إبراهيم عليه السلام هي (املاءات) املاها الله على نبيه إبراهيم عليه السلام؛ وغالب ما جاء فيها مواعظ وحكم وعبر،

وقد ذكرها ربنا جل في علاه في القرآن الكريم:

قال تعالى:

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ° وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ° بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ° وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ° إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ° صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} الأعلى 14-19.

يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله:

“{وما أنزل إلى إبراهيم} لم يبين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم، ولكنه بيَّن في سورة الأعلى أنه صحف، وأن من جملة ما في تلك الصحف: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى} وذلك في قوله: {إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى}” انتهى.

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن موعد نزول صحف ابراهيم، كما جاء عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ).

رواه أحمد في المسند وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وقد ذكرت في بعض الأحاديث الضعيفة وبعض الآثار عن التابعين نقولٌ عن صحف إبراهيم يغلب على الظن أنها منقولة عن كتب بني إسرائيل، وهي – إن صحت- تدل على أن موضوع صحف إبراهيم الرئيس هو الحكمة والموعظة.

يقول داود بن هلال النصيبي:

(مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام:

يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعتِ لهم وتزينتِ لهم، إني قد قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك، ما خلقت خلقا أهون عليَّ منك، كل شأنك صغير، وإلى الفناء تصيرين، قضيت عليك يوم خلقتُ الخلق ألا تدومي لأحد، ولا يدوم لك أحد، وإن بخل بك صاحبك وشح عليك، طوبى للأبرار الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا، وأطلعوني من ضميرهم على الصدق والاستقامة، طوبى لهم، ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم إلا النور يسعى أمامهم، والملائكة حافون بهم حتى أبلغ بهم ما يرجون من رحمتي).

المصدر: “الزهد” ابن أبي الدنيا.

وقد جاء في الموسوعة الفقهية:

“وأما صحف إبراهيم وداود فقد كانت مواعظ وأمثالا لا أحكام فيها، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على أحكام” انتهى.

يلتقي الإسلام مع ملة إبراهيم عليه السلام فى أنهما دين (توحيد) غير حسّى، مفتوح الأبواب لكل الناس.

ويخاطب الله تعالى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: {قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام 161.

وفى خطابه للمؤمنين يقول سبحانه: {… هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ…} الحج 78.

ويقول جل وعلا لرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل 123، وفى خطاب عام يقول الله جل في علاه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} النساء 125.

من يتأمل كل هذه الآيات القرآنية يفهم أن دين الله واحد وهو الإسلام، وقد انزل الله الدين تدرجا إلى أن بلغ كمال الدين عند خاتم الانبياء والرسل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو أن ابراهيم عليه السلام بعث اليوم لاتبع دين الاسلام بتمامه الذي ذكره الله تعالى بقوله للرسول محمد صلى الله عليه وسلم:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 3 المائدة.

وإلى المقال التالي ان شاء الله.

adilassoom@gmail.com

يقين برس

صحيفة اللكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى