القانون الفيزيائي الذي يصنع النجاح: كيف يتبدّد الضوء… وكيف ينهض الإنسان؟
بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

القانون الفيزيائي الذي يصنع النجاح: كيف يتبدّد الضوء… وكيف ينهض الإنسان؟
لا ينهض الإنسان لأن طاقته قليلة، بل لأن طاقته تتوزّع على مساحات واسعة بلا اتجاه.
وكما تُفهم الطبيعة بقوانينها الفيزيائية الدقيقة، يمكن فهم النجاح الإنساني عبر قانون واحد: كيف تتصرف الطاقة؟
فالضوء حين يمر عبر منشور زجاجي يتشتت، وتنقسم شدته إلى ألوان متعددة.
والإنسان حين تمر حياته عبر عشرات المشتتات، تتفتت طاقته إلى أجزاء صغيرة لا تبني إنجازًا.
أولًا: قانون النجاح (Anti-Dispersion Law)
النجاح ليس حدثًا ولا موهبة، بل معادلة طاقة واتجاه وزمن:
S = \left( \frac{E}{n_w} \right) \times T_c \times D
حيث:
E =
الطاقة الإنسانية (انتباه + إرادة + قدرة معرفية + صفاء نفسي).
وهي في المتوسط 4 ساعات تركيز صافية يوميًا لدى الإنسان العادي.
n_w = معامل التشتيت
n_w = n_1 + 2n_2 + 3n_3
ويمثل مجموع المشتتات مضروبًا في وزن كل نوع:
1. مشتتات ذهنية: أفكار متقاطعة، قلق، تفكير زائد.
2. مشتتات مهنية: مهام متداخلة، اجتماعات بلا هدف.
3. مشتتات زمنية: مقاطعات، تأجيل، عدم التنظيم.
4. مشتتات عاطفية: توتر، علاقات مرهقة.
5. مشتتات رقمية: هاتف، تنبيهات، منصات التواصل.
6. مشتتات بيئية: ضوضاء، مكتب فوضوي.
T_c = الزمن المستمر بصيغته التراكمية
T_c = \sum_{i=1}^{k} t_i
D = وضوح الاتجاه
(ويأخذ قيمة بين 0 و1، ويكون 1 عند وجود هدف واحد محدد وواضح.)
تفسير القانون
كلما زاد عدد المشتتات أو ازدادت أوزانها → تقل الطاقة المخصصة للهدف → ينخفض الإنجاز مهما كانت الموهبة.
ثانيًا: قانون الفشل (Dispersion Law)
كما يتشتت الضوء عندما تتوزع طاقته على مساحة أكبر، يتشتت الإنسان عندما تتوزع جهوده بين مهام متفرقة:
Fail = C \times M \times B
حيث:
C = التشتت
M = الانتقال الدائم بين المهام
B = الانقطاع المتكرر
وبالتالي:
Fail \propto \frac{1}{S}
أي أن الفشل يزداد بقدر ما ينخفض مستوى التركيز والاتجاه والزمن المتصل.
ثالثًا: الصيغة المركزية المقتبسة من فيزياء الضوء
قانون شدة الضوء يقول:
I = \frac{P}{A}
شدة الضوء تقل عندما تتوزع طاقته على مساحة أكبر.
وبالقياس الإنساني:
\text{التركيز} = \frac{E}{n_w}
وهي أدق معادلة تشرح جميع حالات النجاح والفشل.
كيف تعمل هذه القوانين في الحياة اليومية؟
1. تعريف الطاقة الإنسانية
الطاقة ليست جهدًا بدنيًا، بل مزيج من:
الانتباه
الإرادة
الذاكرة العاملة
القدرة التنفيذية
الصفاء النفسي
الاستقرار العاطفي
وكل إنسان يملك “نافذة ذهبية” يومية، غالبًا أربع ساعات فقط.
2. أثر عدد الاتجاهات
مثال رقمي:
إنسان يملك 100 وحدة طاقة:
اتجاه واحد → تركيز = 100%
5 اتجاهات → 20 لكل اتجاه
20 مشتّتًا → 5 وحدات فقط
النتيجة:
الدماغ لا يستطيع بناء إنجاز حقيقي بطاقة 5%.
3. مثال الطالب في فترة الامتحانات
طالب لديه 80 وحدة طاقة (E = 80).
مشتتاته:
ذهنية وعاطفية = وزن 3
زمنية = وزن 2
رقمية = وزن 1
n_w = 4 + 6 + 9 = 19
\text{التركيز} = \frac{80}{19} \approx 4.2
أي أنه يذاكر بطاقة لا تتجاوز 4% من قدرته الحقيقية.
وعندما يخفض المشتتات يصبح:
n_w = 7
\quad\Longrightarrow\quad
\frac{80}{7} \approx 11.4
قفزة كبيرة فقط عبر تقليل التشتيت.
4. مثال الموظف (قانون الفشل عمليًا)
تنقّل بين: واتساب – بريد – اجتماع – مكالمة – تنبيهات – ضوضاء – قلق – مشكلة عائلية…
12 مشتتًا → يقطع الزمن
→ يفقد الاتجاه
→ يصنع وهم إنجاز بلا إنجاز
القوانين التطبيقية: كيف نحمي طاقتنا؟
1. خفض التشتيت
إيقاف التنبيهات (يخفض 90% من التشتت الرقمي)
ساعة يوميًا بلا هاتف
عدم لمس الهاتف عند الاستيقاظ
وضعه بعيدًا أثناء العمل
2. قانون 1–3–5
مهمة كبيرة
3 مهام متوسطة
5 صغيرة
3. قانون الـ25 دقيقة (Pomodoro)
يرفع التركيز من 20% إلى 80% علميًا.
4. ضبط البيئة
مكتب نظيف – ضوء جيد – أدوات قليلة – صوت منخفض – هدف مكتوب أمامك.
5. تنظيف العلاقات
أثقل المشتتات وزنًا لأنها تجمع:
عاطفة + ذهن + زمن.
نماذج أمم ركّزت فنهضت
سنغافورة: هدف واحد → مركز عالمي للخدمات
رواندا: هدف واحد → مكافحة الفساد
ماليزيا: هدف واحد → تعليم وصناعة
بينما فشلت دول تفرّقت طاقاتها بين عشرات الخطط المتناقضة.
كيف تفسّرنا الفيزياء؟
كما لا يضيء الضوء عندما ينكسر في كل اتجاه،
لا ينهض الإنسان حين تتوزع طاقته على كل اتجاه.
الضوء يصبح قويًا فقط عندما يمر عبر عدسة.
والإنسان يصبح مؤثرًا فقط عندما يمر عبر هدف واحد.
الخلاصة
S = \left( \frac{E}{n_w} \right) \times T_c \times D
وما لم يتحول الإنسان إلى شعاع مركز، فلن يصنع أثرًا مهما كانت موهبته.
توصيات :
1. خفّض مشتتاتك من 20 إلى 5.
2. ساعة يوميًا بلا شاشة (هاتف ، تلفاز ، كمبيوتر ، آيباد ، ألعاب إلكترونية، منصات تواصل).
3. اعمل بقانون (1–3–5).
4. أعد تصميم بيئتك لتكون أكثر تركيز (إضاءة، ترتيب ، أدواتقليلة).
5. اكتب هدفًا واحدًا للعام.
6. راقب وزن المشتت لا عدده ( المشتت العاطفي أثقل من الرقمي ، والمهني أثقل من الزمني ).
7. صنّف مشتتاتك وفق الأنواع الستة وعالج الأعلى وزنًا.
النجاح ليس مسألة ذكاء… بل مسألة اتجاه.
والفشل ليس سوء حظ… بل سوء توزيع للطاقة.
وحين تتحول طاقتك التي كانت موزعة في 30 اتجاهًا… إلى اتجاه واحد:
يبدأ الضوء… يبدأ الطريق… وتبدأ النهضة ….العلة في المشتتات حين نتخلص منها تظهر بصمة التميز.





