
الفساد: من التاريخ والدين إلى قوانين الكون والواقع المعاصر
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد – 9 ديسمبر
• “كلُّ بني آدم خَطَّاءٌ”، إلا يحيى بن زكريا عليه السلام، فإنه ورد عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عنه أنه لم يَهَم بخطيئة قط.
• والفساد في معناه العام هو الغواية والمعصية والانحراف عن مبادئ النزاهة والاستقامة. وهو مفهوم لازم التجربة الإنسانية منذ بدايتها.
• قديماً، كتب الشيخ الإمام أبو الحسين أحمد بن فارس إلى بديع الزمان الهمذاني، صاحب المقامات، ينعى إليه فساد الزمان.
• فأجابه بديع الزمان قائلاً: “يقول الشيخ الإمام فسد الزمان؟ أفلا يقول: متى كان صالحاً؟ ”
• ثم مضى مستعرضاً التاريخ من الدولة العباسية التي عاش في كنفها إلى الأموية،
• بل إلى ما قبل خلق الإنسان، حين قالت الملائكة: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾.
• وفي ذلك إشارة مبكرة إلى أن الفساد ظاهرة تاريخية متكررة، ومكوّن أصيل من سيرورة الزمن الإنساني.
• والفساد أشكال وأنواع، وهو في بعض أشكاله حادث منذ أن أسكن الله آدم وزوجه الجنّة وَعَصَياه فغَوَيا.
• فهناك الفساد الديني والأخلاقي، وهو الانحراف عن القيم والمبادئ.
• والفساد القانوني والمؤسسي، وهو الاستخدام غير المشروع للسلطة أو الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية.
• ويجب التمييز بين الفساد وغيره من الأفعال غير المشروعة.؛
• ففي قطاع الغابات يُعد استخدام الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية فساداً صريحاً.
• المخالفات غير المقصودة أثناء أداء العمل إهمالاً أو قصوراً في الكفاءة، لا فساد.
• أما سرقة أخشاب الغابة من قبل غير العاملين بالقطاع فتُعد جريمة جنائية مكتملة الأركان.
• والفساد في تزايد مستمرٍ، كما أشارت النصوص الدينية عند الحديث عن تراجع القيم بمرور الزمن.
• ووفق قوانين الديناميكا الحرارية، يسير الفساد نحو ازدياد في الكون منذ نشأته بـ “الاعتلاج أو الإنتروبي”.
• فبينما ينص القانون الأول على أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم، يقرر القانون الثاني أن كل تحول للطاقة تصاحبه خسارة تتبدد في الوسط المحيط.
• ويمكن النظر إلى هذه الخسارة الملازمة للحركة والتحول، بوصفها فساداً كونيًا ملازماً للتغير.
• وتشمل أضرار ظاهرة الفساد، إضعاف الدولة وتعطيل التنمية وتقويّض العدالة، وتؤدي إلى تدهور البيئة والموارد الطبيعية.
• ولا تُواجه هذه الظاهرة إلا بتعزيز النزاهة والمحاسبة، ورفع الوعي المجتمعي، وتفعيل رقابة مؤسسية ومجتمعية تحمي الموارد العامة وتصون مقاصد الحكم الرشيد.
آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.






