قانون الجهد العكسي: بوصلة حياة تساعد الإنسان على التقدم بثقة والنجاح المستدام
بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

قانون الجهد العكسي: بوصلة حياة تساعد الإنسان على التقدم بثقة والنجاح المستدام
الوعي الذي يُعيد ترتيب الحياة
في عالم يموج بالقلق والرغبات المتسارعة، يندفع الإنسان أحيانًا في سباق يعتقد أنه يقوده نحو النجاح، بينما هو في الحقيقة يُبعد عنه ما يريد. فمعظم الأشياء لا تهرب لأننا نريدها، بل لأنها تستشعر ثِقل تعلقنا بها، وضغط الخوف المصاحب لسعينا. وكلما بالغ الإنسان في المطاردة بدافع القلق أو الاحتياج أو الخشية من الفقد، ازدادت ابتعادًا عنه؛ بينما تقترب الفرص حين يكون السعي هادئًا، مستقيمًا، منسجمًا مع إدراك عميق للقيمة الذاتية.
هذا هو جوهر قانون الجهد العكسي؛ قانون يُعلّمنا أن الهدوء قوة، وأن الاتزان الداخلي بوصلة حياة، وأن الإنسان لا ينتصر بالشدة وحدها، بل بجودة الوعي الذي يحرك تلك الشدة. إنه رحلة إعادة ترتيب الداخل ليصبح الإنسان مصدرًا للطاقة لا مستنزفًا لها، ومركزًا للثبات لا تابعًا للمتغيرات، فينعكس ذلك على نجاحه العملي، وعلاقاته، وقراراته، وعلى نوعية حياته بصورة أكثر استدامة.
قانون الجهد العكسي: الفكرة والأساس
ينطلق القانون من معادلة إنسانية بسيطة:
أ – الاحتياج العالي = ضغط
ب – الضغط العالي = نفور
فالذي يحاول النوم بالقوة يزيد يقظة.
والذي يحاول أن يبدو واثقًا يصطنع توتره.
والذي يسعى لإجبار الآخر على محبته يثقله حتى يبتعد.
ينشأ هذا السلوك من خوف داخلي:
الخوف من الندرة… الخوف من الفقد… الخوف من أن الخطأ نهاية الطريق.
وعندما يهيمن الخوف، يفقد الإنسان القدرة على رؤية البدائل، فيتعلق بباب مغلق بينما أبواب عديدة مشرعة من حوله.
لا توجد “فرصة واحدة” أو “شخص واحد” أو “وظيفة واحدة”.
الطرق تتعدد، والقدر لا يأتي من نافذة واحدة.
إن تحويل أي شيء إلى “محور مصير” يضع الإنسان تحت رحمته، ويمنحه سلطة على مشاعره وكرامته وسعادته. وعندما يحدث ذلك، تدفعنا سنن الحياة إلى فقده، لأن الاعتماد الكلي يناقض التوازن الذي تقوم عليه النفس البشرية.
والقانون لا يطالب الإنسان بالتوقف عن السعي، بل بإعادة تعريف السعي:
عمل هادئ… تخطيط واعٍ… خطوات واقعية… دون هلع.
توسيع المفهوم – من الوعي إلى التطبيق
1. الضغط يولّد النفور
كل محاولة قهرية لإجبار شيء على الحدوث تنتج نتيجة عكسية. هذا هو قلب الجهد العكسي: ما نضغط عليه بقوة يهرب منا.
2. التعلق المفرط يعمي عن البدائل
إن التركيز على شيء واحد – شخص، فرصة، وظيفة – يجعل الإنسان لا يرى القيم الحقيقية المحيطة به:
من يحترمه بصدق، من يقدّره، من يفتح له أبوابًا لم يكن ينتبه إليها.
3. ربط المصير بهدف واحد خطأ استراتيجي
حين يقول الإنسان:
“هذه فرصتي الوحيدة”…
يحوّل الهدف إلى صنم نفسي، ويمنح المتغيرات سلطة لا تستحقها على استقراره الداخلي.
4. التحول من النقص إلى الاكتفاء
من: “أنا بدونك لا شيء”
إلى: “أنا كامل… وأنت إضافة جميلة.”
هذا التحول لا يصلح فقط العلاقات، بل يحرر السعي نفسه من التوتر.
5. السعي مطلوب… ولكن بصيغة صحيحة
اسعَ—نعم.
لكن دون هستيريا، دون ضغط، دون مطاردة.
فالنجاح المستدام يأتي لمن يتحرك بثقة، لا لمن يركض بخوف.
توصيات :
1. فصل القيمة الذاتية عن النتائج الخارجية
النتائج محطات. أما القيمة الذاتية فجوهر لا يقبل المقايضة.
2. تنويع مصادر النجاح
لا تربط مصيرك بهدف واحد. التعدد يمنحك مساحة أوسع للفرص.
3. تبنّي عقلية الاستحقاق لا الاحتياج
لغة الندرة تخلق الخوف… ولغة الاستحقاق تخلق الطاقة.
4. إدارة السعي بطريقة هادئة ومنتظمة
هدوء السعي يزيد دقة القرار ويقلل الأخطاء.
5. مراقبة مستوى الضغط الداخلي يوميًا
أي فكرة يصاحبها خوف مفرط علامة تعلق يجب تحريره.
6. قبول التغيير كجزء طبيعي من الحياة
الأبواب تُغلق… لكي تُفتح أخرى أكثر اتساعًا.
7. بناء شبكة علاقات صحية ومتوازنة
العلاقات المتوازنة أقل هشاشة وأكثر عمقًا.
8. تعزيز الامتلاء الداخلي
اقرأ، تأمل، تبرّع، اشكر الله .
الإنسان الممتلئ لا يطارد الأشياء، بل تنجذب إليه.
9. اتخاذ قرارات مبنية على الحكمة لا على الخوف
الخوف يشوّه الصورة… الحكمة تكشف الحقيقة.
10. إعادة تعريف التجارب السلبية
التجربة السيئة مرحلة، وليست نهاية.
والمعنى الذي نمنحه للتجربة هو ما يصنع أثرها.
– حين يزدهر الداخل… يزدهر الخارج
إن قانون الجهد العكسي ليس مجرد فكرة نفسية، ولا مجرد تأمل روحي، بل هو منهج حياة يُعيد للإنسان سيطرته على وعيه، ويمنحه فرصة للنجاح الذي لا. يُهدم بريح ولا يهتزّ بظرف. فالإنسان حين يتحرك بثقة، دون خوف مبالغ، تتوقف الأشياء عن الهروب منه؛ وحين يدرك قيمته، تتعدد المسارات أمامه؛ وحين يتوازن سعيه دون ضغط أو هلع، تبدأ الأقدار في الاصطفاف نحو الأفضل.
النجاح المستدام ليس سباقًا…
بل هو تجربة وعي.
وكلما صفا الداخل، ازدانت الحياة.
وكل باب يُغلق… يفتح أبوابًا أوسع لمن ينظر بعين الحكمة، لا بعين التعلق.






