مقالات

ومضة الجمعة: كيف ولماذا

بقلم : د. عبد العظيم ميرغني

ومضة الجمعة: كيف ولماذا

• من أبرز نظريات علم الاجتماع البيولوجي أن الجينات تنحى دوماً للبقاء والاستمرارية.

• وأنها تسخِّر سلوك الإنسان والحيوان—من تنافس وإيثار وتعاون—كأدوات تزيد من فرص انتشارها عبر الأجيال.

• تصوّر مثلاً رجلين وصلا خط النهاية في سباق للجري، وأحدهما يحمل جوال فحم على ظهره؛ فمن المنطق القول أن حامل الحمل هو الأقوى.

• هذا يماثل في الطيور، الذيل الطويل لدى الذكور، رغم إعاقته للحركة، يزيد جاذبيتهم الجنسية ويعزز فرص انتقال جيناتهم للأجيال القادمة.

• ويظهر الإيثار أيضاً في سلوك الكتكوت الذي يطلق صيحة تنبيه عند ظهور حدأة؛ فقد يهلك، لكن إنقاذ أقاربه الذين يشاركونه الجينات يضمن استمرار جيناته.

• وحتى في حالات من لا تجمعه بهم صلة قرابة، غالبًا سيردون له الجميل لاحقًا—قدم السبت لتجد الأحد—ما يزيد فرص بقاء جيناته ونشرها بشكل غير مباشر.

• والمثال الشائع في البشر هو شخص يغرق؛ فيخاطر أحدهم بحياته لإنقاذه على أمل أن ينقذه مستقبلًا حين يحتاجه، وبذلك تُعزز فرص بقائه ويضمن استمرار جيناته عبر ذريته.

• حتى الإيمان والروابط الروحية يفسَّران أحياناً بمفهوم أطلق عليه “جين الإله”، بوصفهما آليات تعزّز تماسك الجماعة وتزيد فرص بقاء جيناتها واستمراريتها.

• لكن حين ننزل بهذه التفسيرات إلى أرض الواقع الاجتماعي، نصطدم بحدود هذا التفسير.

• فمثلاً، في دراسة لصحيفة الأيام السودانية نشرتها في يونيو 2005، تبين أن نسبة تعاطي التمباك لدى النساء لا تتعدى 7.8%.

• ومن هنا، فإن القول بأن ارتفاع نسبة تعاطي التمباك بين الرجال سببه عامل وراثي، وأن هناك “جينًا للتمباك” يفسّر شيوع هذه العادة، يعد تعليلاً يبالغ في التفسير الجيني لسلوك تحكمه بالأساس بيئات اجتماعية وثقافية.

• وإذا تمادينا في هذا النوع من التفسير، نجد أن ادعاء أن ارتفاع نسبة المسلمين في تركيا (99%) مردّه إلى “جين مسلم” في الجينوم التركي.

• وأن هناك “جين مسيحي لوثري” في الجينوم الفنلندي حيث ينتمي نحو 99% من السكان إلى اللوثرية، هو كذلك مضلل.

• الانتماءات الدينية والثقافية نتاج سياقات تاريخية، لا شفرات وراثية.

• فالإنسان يولد على الفطرة: “كلّ مولودٍ يولد على الفِطرةِ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” حديث شريف.

• فالميل إلى الإيمان جزء راسخ في تكوين الإنسان منذ بدايته، أمّا البيئة والمجتمع فهما اللذان يشكلان صورة هذا الإيمان ومساراته العملية.

• فالوراثة تمنح القابلية، والتجربة الحياتية تحدد مسار هذا الإيمان.

• لا تناقض بين العلم والدين؛ العلم يشرح الكيف، والدين يوضح اللماذا، وفي اتساقهما يتكامل الإنسان بين جيناتٍ تحرّكه وفطرةٍ تهديه.

جمعة مباركة

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى