إقتصاد

السودان على منحنى تبني الابتكارات في رصد الغابات

بقلم : عبد العظيم ميرغني

السودان على منحنى تبني الابتكارات في رصد الغابات

• حسبما يعرف بمنحنى تبني الابتكارات الذي ابتكره عالم الاجتماع إيفريت روجرز، ينقسم الناس، أفراداً وجماعات وأنظمة ودول، إلى خمس فئات:

• المبتكرون (2.5%)، المتبنون الأوائل (13.5%)، الأغلبية المبكرة (34%)، الأغلبية المتأخرة (34%)، والمتأخرون (16%).

• ونضرب للمثل بثورة الإنترنت كابتكار رأى النور في العام 1969، وبالنظام الملكي البريطاني كمنظومة عرفت بعراقتها في المحافظة على التقاليد.

• فأول بريد إلكتروني أرسله المبتكرون (باحثون وعسكريون) عام 1971، بينما أول بريد إلكتروني ملكي كان في 1976 (المتبنون الأوائل)، وتلاه إطلاق الموقع الرسمي للعائلة الملكية عام 1997 (الأغلبية المبكرة).

• ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، تبنت الملكة حضورها الرقمي بحذر بدءاً من 2009 (الأغلبية المبكرة)، ثم توسع استخدام منصات مثل إنستغرام في 2013 (الأغلبية المتأخرة).

• وهكذا تبنى النظام الملكي الإنترنت تدريجياً، محافظاً على التوازن بين الرموز التقليدية والابتكار التقني.

• وعلى النقيض تماماً من هذا التدرج الحذر والبطيء، يبرز نموذج إستونيا كدولة قفزت إلى الثورة الرقمية دفعة واحدة عقب استقلالها عام 1991.

• فبدلاً من إعادة بناء جهازها الإداري التقليدي، تبنت الإنترنت كخيار استراتيجي، لتكون من “المبتكرين” وفق منحنى روجرز.

• فقد أنشأت أول بنية حكومية للإنترنت عام 1994، وأدخلت الإنترنت للمدارس عام 1997، ثم أعلنت عام 2000 أن الوصول إلى الشبكة حق أساسي للمواطن.

• وفي 2005 أصبحت أول دولة في العالم تسمح بالتصويت الإلكتروني الكامل، مع اعتماد الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني منذ وقت مبكر.

• وهكذا تحولت إستونيا من دولة ناشئة إلى نموذج عالمي في الحوكمة الرقمية خلال أقل من عقد.

• هذا في مسار عكسي تماماً لنهج الملكية البريطانية التي تبنت التكنولوجيا ببطء وتدرج.

• في مجال الغابات، صدر تقرير حالة الغابات في العالم لسنة 2024 عن منظمة الفاو تحت شعار “الابتكار في مجال الغابات”، ومن بين هذه الابتكارات، تقنيات مراقبة الغابات.

• وقد شهدت هذه التقنية موجات تبنٍ متعاقبة، بدأت بالصور الجوية في العشرينيات بالمبتكرين، الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

• ثم انطلقت في الأربعينيات–الستينيات باستخدام الأقمار الصناعية الأولى، وصولاً إلى “لاندسات” عام 1972 لاختبار جدوى التكنولوجيا.

• في السبعينيات–التسعينيات دخلت كندا والسويد (المتبنون الأوائل) مرحلة الاستخدام العملي لصور الأقمار الصناعية، وطورتا تطبيقات للتخطيط والإدارة المستدامة.

• ومن 2000 إلى 2010، تبنت الأغلبية المبكرة (34%) مثل البرازيل والصين تقنيات جاهزة، ووظفتها البرازيل لمراقبة إزالة الغابات، مع تحليل الكتلة الحيوية والحرائق والأشجار خارج الغابات.

• وبين 2010 و2020، لحقت الأغلبية المتأخرة مثل إندونيسيا والمكسيك بعد انخفاض التكلفة وارتباط التكنولوجيا بمتطلبات التمويل الدولي وبرامج مثل الحد من الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات (REDD+).

• أما المتأخرون (16%) مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية فقد تبنوا التقنيات حديثاً تحت ضغط الحوكمة الدولية، لتصل نسبة الدول المعتمدة على الاستشعار عن بعد إلى نحو 42% في تقرير الفاو 2025.

• في السودان، بدأ استخدام التقانات الحديثة في مراقبة الغابات منذ وقت مبكر مقارنة بدول المنطقة.

• ففي أواخر الخمسينيات أنشأت مصلحة الغابات، بقيادة مديرها الراحل كامل شوقي، قسماً للتصوير الجوي الفوتوغرافي، وهو ما وضع البلاد ضمن الجيل الأول من مستخدمي أدوات الرصد الحديثة.

• ومع دخول عصر الاستشعار عن بعد، تبنى السودان في السبعينيات والثمانينيات صور أقمار “لاندسات” لتحليل الغطاء الشجري ورصد التغيّر في الموارد، قبل أن تبدأ معظم الدول النامية خطواتها الأولى في هذا المجال.

• ويضع هذا السبق التقني السودان بوضوح ضمن فئة المتبنين الأوائل في منحنى تبني الابتكارات، متقدماً على الأغلبية المبكرة والمتأخرة، ومشيراً إلى إرث مؤسسي طويل في إدخال التقنيات الحديثة لإدارة الغابات.

• وفي العقد الأخير ظهرت موجة عالمية جديدة من الابتكار الغابي، بدأت باختبار بعض الدول لطائرات بدون طيار مدعومة بالذكاء الاصطناعي لزرع آلاف الأشجار يومياً باستخدام الرؤية الحاسوبية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

• وفي سياق هذا الابتكار الجديد يبقى السودان، بفضل موقعه ضمن المتبنين الأوائل لتقنيات الاستشعار عن بعد وامتداده الجغرافي الواسع، في وضع يمكنه من الاستفادة منه لإعادة التشجير بسرعة أكبر وتكلفة أقل، مع الوصول إلى المناطق الوعرة.

• وهو ما يفتح آفاقاً جديدة لإدارة مستدامة وفعالة للموارد الطبيعية، محافظاً على التوازن بين المعرفة التقليدية والتكنولوجيا الحديثة.

آمالي في حسن الخلاص؛ وتقديري العميق.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى