مقالات

من رحم الضعف تولد القوة

بقلم  د. عبد العظيم ميرغني

من رحم الضعف تولد القوة

• روى المهاتما غاندي في مذكراته، أنه كان يعاني في مطلع حياته من آفة الخجل إلى حد الإعاقة، فكان يصمت في الاجتماعات ويتهيب مواجهة الناس.

• لكنه أدرك لاحقاً، أن هذه الآفة منحته ميزة تركيز الفكرة، وصقلت لديه خاصية ضبط الكلمة، ومنحته ميزة اختصار المعنى الكبير في أقل العبارات.

• ولعلها قاعدة عامة أن فقدان عضوٍ أو حاسةٍ ما، يتيح للجسم فرصة تطوير خصائص استثنائية تعوّض النقص.

• فمن الأمثلة في ميدان الطب أن فقدان كلية أو تلفها يؤدي إلى كبر حجم الكلية الأخرى تلقائياً لتعويض الكلية المفقودة أو التالفة.

• هكذا، فإن ما يبدو ضعفاً في ظاهره قد يحمل في جوفه قوةً خفية، تماماً كما تمر الأمم بتجارب تبدو مؤلمة، لكنها تنطوي على بذور الخير والنهوض.

• والسودان ليس ببعيدٍ عن هذه السنة؛ فقد مر عبر تاريخه بمحطات قاسية، لكنها كانت تحمل في طيّاتها دروساً ومكاسب خفيّة، مصداقاً لقوله تعالى: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم”.

• فقبل مائة عام مثلاً، اندلعت ثورة 1924م، وانتهت بالقمع والنفي، لكنها أيقظت الروح الوطنية، ومهّدت لطريق الاستقلال الذي تحقق بعد ثلاثة عقود فقط من اندلاعها.

• ورغم اختلاف الرؤى حولها، بين من يراها شرارة الوعي الوطني الحديث، ومن يصفها بمحاولةٍ سبقت زمانها، إلا أن أثرها في إحياء روح المقاومة لا يُنكر. فقد علمتنا أن ما يبدو هزيمةً قد يكون في جوهره بدايةً لنصرٍ أبعد مدى.

• وكم من فيضان دمر القرى والزروع، ثم أعاد للأرض خصوبتها فازدادت الغلة وعم الخير.

• وهكذا هي الحياة في صورها المختلفة؛ فما من إنسانٍ إلا ومر بتجربة فقدٍ أو ألمٍ أو حزنٍ، خاصة في هذه الأيام القاسية التي يمر بها السودان، حيث صار الفقد والألم لغةً مشتركة بين القلوب.

• ومع ذلك، فإن هذه التجارب، على قسوتها، تعيد صياغتنا من الداخل، وتعلمنا الصبر والتعاطف، وتهيئنا للتعافي الجماعي.

• فكل واحد منا قابل لأن يكون جزءاً من عملية الشفاء الكبرى، لأننا ببساطة نتألم معاً، وسننهض معاً.

• هكذا، كما يخرج الإنسان من ضعفه أكثر صفاء وصلابة، تنهض الأمم من جراحها وقد ازداد وعيها ونضجها.

• والسودان، بما عرفه من شدةٍ وصبر، يمضي على سنة الحياة التي تجعل من العسر طريقاً إلى اليسر، ومن الألم منبعاً للأمل.

فآمالي معلقة بحسن الخلاص، وثقتي راسخة بأن السودان سينهض كما نهض من ميرغني

بقلم  د. عبد العظيم ميرغني

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى