
ومضة الجمعة
• قبل أكثر من ألف عام، أنشد المتنبي قائلاً: كلما أنبت الزمان قناةً … ركَّب المرء في القناة سناناً.
• وكأنه كان يرى بعين الشاعر ما سيقوله الفلاسفة من بعده بقرون: أن التاريخ والفكر حركة لا تهدأ، يولد فيها الجديد من القديم، وتنبثق الفكرة من نقيضها.
• وقد صاغ هيجل هذا المعنى في فلسفة “الجدل”، قائلاً إن الفكرة تُنجب نقيضها، ومن صراعهما تنشأ فكرةٌ أوسع.
• ثم جاء كارل ماركس لا لينقضها بل ليكملها؛ فأبقى على الجدلية بوصفها حركةً للتاريخ، لكنه غيّر محورها؛ بأن قلب الصورة، بجعل مادة الحياة هي التي تُحرّك الفكر، لا العكس.
• وهكذا، من المتنبي إلى هيجل وماركس، يمضي الفكر الإنساني في مسارٍ واحدٍ من التفاعل والتراكم؛ لا تنقض حلقةٌ ما قبلها، بل تُكملها، في حركةٍ تشبه دفع الله الناس بعضهم ببعض.
• وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: والله لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله.
• كلمةٌ تعبر عن يقينٍ عميق بأن هذا الكتاب العظيم يحوي أصول كل معرفةٍ وهداية، وأن ما يكتشفه الفلاسفة والعلماء من سننٍ في الوجود إنما هو استنطاق لآيات الله في الآفاق.
• وهكذا، فإن ما أدركه الشعراء والفلاسفة إنما هو ظلٌّ لتلك السنّة الإلهية التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى:
“ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين”.
جمعة مباركة







