مقالات

بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي 

 

الطفولة ركيزة المستقبل: استراتيجية شاملة للصحة الجسدية والنفسية، والدعم الاجتماعي، والتربية والتعليم من أجل بناء أجيال آمنة ومبدعة

تُعد الطفولة المرحلة الأهم في دورة حياة الإنسان، حيث تتشكل فيها الملامح الأساسية للشخصية والصحة الجسدية والنفسية، وتنغرس القيم الاجتماعية والتربوية التي تحدد مسار الفرد والمجتمع معًا. إن أي مجتمع يسعى إلى النهوض لا بد أن يجعل من الطفولة أولوية قصوى، باعتبارها حجر الزاوية في التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

إن صحة الأطفال تمثل خط الدفاع الأول في حماية المجتمع من الأمراض والأوبئة. لا بد من توفير برامج وطنية شاملة للتطعيم، ومراكز رعاية أولية متكاملة، مع التركيز على مكافحة سوء التغذية عبر برامج غذائية علاجية ووقائية. وفي جانب الصحة النفسية، فإن تجارب الفقدان والحرمان أو الصدمات المبكرة تترك آثارًا عميقة على الطفل، ما يستوجب إنشاء وحدات دعم نفسي واجتماعي متخصصة، وتدريب الكوادر على التعامل مع الأطفال بطرق تعزز الشعور بالأمان والانتماء.

الأطفال أكثر الفئات عرضة للاستغلال والعنف، مما يفرض ضرورة تطوير آليات رصد وتوثيق الانتهاكات، وسن تشريعات رادعة تحميهم من الاستغلال بمختلف أشكاله. كما يجب تفعيل دور القانون في حماية الأطفال ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان إدماجهم الكامل في المجتمع عبر التعليم الدامج، والرعاية الصحية المتخصصة، وتوفير بيئة لائقة تُمكّنهم من العيش بكرامة.

المناهج التعليمية ليست مجرد كتب أو نصوص، بل أدوات لبناء الإنسان. لذلك، يجب إعدادها وفق مرجعيات علمية متطورة تراعي الخصائص العمرية للأطفال، وتستجيب للمتغيرات العالمية في العلوم والتقنيات، مثل تحديث مناهج الكيمياء معتمدين على معايير IUPAC، أو الاستفادة من توصيات اليونسكو والمنظمات الإقليمية والدولية في تصميم المناهج.

كما ينبغي تعزيز التعليم التفاعلي الذي ينمي مهارات التفكير النقدي والإبداع والبحث العلمي، والابتعاد عن التلقين الجامد. فالمدرسة ليست مكانًا لنقل المعلومات فحسب، بل فضاء لبناء شخصية متوازنة قادرة على الإبداع والمشاركة الفاعلة في المجتمع.

لا يمكن فصل رعاية الطفولة عن دعم الأسرة. برامج مساعدة الأسر الفقيرة، وتمكين الأمهات عبر التدريب والدعم الغذائي والنقدي، تسهم في تحسين البيئة التربوية للأطفال. كما أن إشراك المجتمع المدني في إنشاء “مساحات آمنة للأطفال” يضمن لهم فرصًا للتعلم غير الرسمي، اللعب، وتنمية المهارات الاجتماعية.

إن معالجة قضايا الطفولة تتطلب تنسيقًا بين الدولة، المؤسسات الأكاديمية، المنظمات الدولية كاليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، والقطاع الخاص. فبناء استراتيجية وطنية شاملة للطفولة ينبغي أن يتكامل مع الجهود العالمية، ويستند إلى أفضل الممارسات والتجارب الدولية الناجحة، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والوطنية.

توصيات

1. إقرار ميثاق وطني للطفولة يحدد الحقوق الأساسية للأطفال ويضمن التزام الدولة والمجتمع بحمايتهم ورعايتهم.

2. إنشاء مجلس وطني أعلى للطفولة يضم وزارات الصحة، التربية، الشؤون الاجتماعية، بجانب المجتمع المدني، لضمان التنسيق المستدام.

3. تطوير المناهج وفق مرجعيات عالمية وبما يتلاءم مع التطور العلمي والتكنولوجي، بعيدًا عن التجاذبات الأيديولوجية.

4. إدماج التربية الوطنية والمهارات الحياتية في المناهج لبناء شخصية متوازنة تؤمن بالمسؤولية الفردية والجماعية.

5. إطلاق برامج شاملة للصحة النفسية للأطفال وتدريب المعلمين والكوادر الصحية على الاكتشاف المبكر لحالات الاضطرابات النفسية.

6. إرساء منظومة تعليم دامج لذوي الاحتياجات الخاصة تتيح لهم فرصًا متساوية في التعليم والرعاية.

7. تعبئة الموارد الدولية والوطنية لضمان استدامة البرامج الصحية والتعليمية، وربطها بخطط التنمية والإعمار.

إن وضع الطفولة في صدارة الاهتمامات الوطنية ضرورة استراتيجية تحدد مسار المستقبل. فكل استثمار في صحة الطفل، نفسيًا وجسديًا، وكل تطوير في تعليمه وتربيته، هو استثمار في وطن أكثر استقرارًا، واقتصاد أكثر قوة، ومجتمع أكثر إنسانية.

لقد أكّد قادة العالم أن التعليم هو أقوى سلاح لتغيير الواقع، وأن بناء المدارس والمعلمين هو الخطوة الأولى لبناء الأوطان. وهنا تكمن مسؤوليتنا: أن نحب أوطاننا بقدر ما نحب أطفالنا، وأن نصنع لهم غدًا أفضل يليق بأحلامهم وطاقاتهم.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى