مقالات

الرؤية الاستراتيجية لإصحاح البيئة ومكافحة البعوض: خطة متكاملة للتنمية المستدامة

بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

 

الرؤية الاستراتيجية لإصحاح البيئة ومكافحة البعوض: خطة متكاملة للتنمية المستدامة

مكافحة البعوض، خاصة الباعوضة الزاعجة الناقلة للأمراض مثل الملاريا والضنك، ليست مجرد مسألة صحية، بل قضية استراتيجية متكاملة ترتبط بالصحة العامة، إصحاح البيئة، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستقرار المجتمعي. الاستراتيجيات العلمية المبنية على التجارب العالمية الناجحة تمثل نموذجًا لإدارة البيئة بشكل مستدام، بعيدًا عن السياسات الضيقة، مع مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والدبلوماسية والقانونية.

تجارب عالمية رائدة

1. الهند: استخدام زيت النيم كمبيد ليرقات البعوض في المياه الراكدة، بنسبة قتل تصل إلى 95–100%، مع ثبات عالي ضد الحرارة والتخزين.

2. إثيوبيا: التجارب الميدانية أظهرت أن زيت النيم فعال ضد يرقات Anopheles gambiae، مع قيم LC50 بين 1.6–1.8 جزء في المليون، وLC90 بين 3.4–3.7 جزء في المليون.

3. النيجر (قرية Banizoumbou): استخدام مسحوق بذور النيم خفض أعداد إناث بعوض Anopheles gambiae بنسبة 49%، مؤكدًا استدامة النيم كخيار بيئي صديق.

الخطة الاستراتيجية المتكاملة لمكافحة البعوض في السودان

المرحلة الأولى: استهداف اليرقات

تجهيز محلول زيت النيم بتركيز 1–2 جزء في المليون وإضافته إلى المياه الراكدة، مع تكرار المعالجة كل 10–14 يومًا.

استخدام فخاخ بيولوجية للمياه الراكدة تحتوي على مستخلصات النيم، لجذب واحتجاز اليرقات قبل التحول إلى بعوض بالغ.

المرحلة الثانية: الرش أو الطلاء الداخلي والخارجي

مستخلص أوراق النيم المخلوط بالزيت النباتي والنشا كرذاذ داخلي للغرف، وتكرار كل 6–8 أسابيع.

دهن الجدران الخارجية بالجينر والنيم لتقليل تواجد البعوض في الأماكن العامة والمدارس والمراكز الصحية.

المرحلة الثالثة: الحلول البيئية المساندة

تجفيف البرك والمستنقعات المؤقتة وإزالة المياه الراكدة.

استخدام نباتات طاردة للبعوض في الحدائق والمناطق العامة مثل الريحان واللافندر.

إدخال أسماك صغيرة تفترس اليرقات في البرك الدائمة.

المرحلة الرابعة: التدخل المجتمعي والمشاركة الشعبية

حملات توعية لتشجيع الأهالي على جمع المياه الراكدة وحرق الأوراق الميتة.

تنظيم “أسبوع النيم” في المدارس والمراكز المجتمعية، لتعليم الأطفال والشباب طرق التحضير البيئية للمبيدات الطبيعية.

إنشاء مجموعات رقابية محلية لمراقبة تجمعات المياه والتدخل السريع عند الحاجة.

المرحلة الخامسة: الحلول التقنية والإدارية

استخدام تطبيقات رقمية لرصد أماكن تكاثر البعوض ومتابعة تنفيذ الإجراءات.

بناء قاعدة بيانات وطنية لتوثيق التقدم وتحليل المؤشرات البيئية والصحية.

وضع خطة مؤسسية لإدارة الموارد البشرية والمالية الخاصة بمكافحة البعوض، مع مؤشرات أداء دقيقة (KPIs).

مؤشرات النجاح المتوقعة

بعد شهرين: انخفاض عدد البعوض داخل البيوت بنسبة 50%.

بعد موسم مطر (6 أشهر): انخفاض حالات الملاريا والضنك بنسبة 20–30%.

بعد عام: حي كامل يصبح نموذجًا “لمنطقة ذكية مضادة للبعوض” باستخدام موارد محلية منخفضة التكلفة، ويعتمد على المشاركة المجتمعية والاستدامة البيئية.

تحويل الكارثة البيئية إلى فرصة ليس شعارًا، بل عملية تتطلب رؤية استراتيجية متكاملة تشمل الإدارة، الاقتصاد، المجتمع، القانون، التكنولوجيا والدبلوماسية البيئية. هذه الرؤية هي السبيل الوحيد لإخراج البلاد من الأزمات المتكررة في الصحة العامة وإصحاح البيئة، والوصول إلى أفق التنمية المستدامة، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وصحة الإنسان.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى