
التعليم وخدمة المجتمع: استراتيجية بناء الإنسان ونهضة الوطن
التعليم ليس مجرد تلقين للمعرفة أو اجتياز للامتحانات، بل هو مشروع استراتيجي لإعداد الإنسان القادر على خدمة مجتمعه والنهوض به في مختلف المجالات.
التعليم العام كالتزام حكومي ومجانية التعليم
من التعليم قبل المدرسي وحتى التعليم الثانوي، يمثل التعليم التزامًا حكوميًا أصيلًا لا ينبغي تحويله إلى مجال استثماري، لأن هذه المرحلة تمثل أساس العدالة الاجتماعية وحقًا إنسانيًا لا يقبل المساومة. وقد أكدت الأهداف 17 للتنمية المستدامة، التي تبنتها الأمم المتحدة، على أن التعليم الجيد المنصف والشامل حق أساسي، وعلى الحكومات أن تكفله مجانًا في مراحله الأساسية لضمان المساواة في الفرص، وهو ما نصت عليه أيضًا الاستراتيجية ربع القرنية (2007 – 2031م) في السودان.
لا يسمح بقيام المدارس الخاصة ولكن لماذا يُسمح بالمدارس الدولية؟
السماح بالمدارس الدولية جاء لاعتبارات خاصة، مثل:
تلبية احتياجات الجاليات الأجنبية في السودان.
توفير خيار محدود للأسر التي ترغب في تعليم عالمي.
الاستفادة من بعض الخبرات والمناهج الدولية.
لكنها ليست بديلًا عن التعليم الحكومي، ويجب ضبطها بسياسات تضمن عدم الإضرار بمبدأ مجانية التعليم العام أو التحول إلى نخبوية مفرطة.
التعليم الجامعي وطبيعته المختلفة
يختلف التعليم الجامعي عن التعليم العام في كونه مجالًا يسمح بالاستثمار. تستطيع الجامعات الحكومية تخصيص نسبة محدودة من المقاعد للتعليم الخاص، لدعم ميزانياتها وتحسين بنيتها التحتية، مع ضمان أن الطلاب المتفوقين يجدون مقاعد مجانية لا تعوقها اعتبارات مالية. هذه المعادلة توازن بين الالتزام الحكومي وإمكانية تنويع الموارد.
التعليم وخدمة المجتمع – تكامل استراتيجي
التعليم يزود الفرد بالمعرفة والمهارة.
خدمة المجتمع تتيح تطبيق هذه المعرفة عمليًا لصالح الناس.
البرامج التطبيقية مثل محو الأمية، التوعية الصحية، والمبادرات البيئية تمثل ترجمة حقيقية للتعليم كأداة للتنمية.
البعد الدولي المقارن
سنغافورة: جعلت الخدمة المجتمعية إلزامية في التعليم.
ماليزيا: ربطت التعليم بالوحدة الوطنية والتعايش.
رواندا: استخدمت التعليم كوسيلة للمصالحة المجتمعية بعد الحرب.
توصيات عملية للسودان
1. تثبيت مجانية التعليم العام كمبدأ دستوري مرتبط بالأهداف 17 للتنمية المستدامة.
2. دمج الخدمة المجتمعية في المناهج وربطها بالأنشطة العملية.
3. ربط القبول الجامعي ببرامج خدمة المجتمع أو التدريب الميداني.
4. ضبط المدارس الدولية بقوانين صارمة بحيث تبقى استثناءً لا قاعدة.
5. تطوير شراكات بين الجامعات والقطاعات الإنتاجية لربط المعرفة بالاقتصاد.
إن التعليم في السودان مشروع وطني إنساني اقتصادي اجتماعي إداري دبلوماسي قانوني. التعليم العام يجب أن يظل مجانيًا التزامًا حكوميًا، بينما يظل التعليم الجامعي مجالًا للشراكة الذكية دون المساس بحق الطلاب. هذه الرؤية تجعل التعليم أداة لتحقيق الأهداف 17 للتنمية المستدامة، وقاعدة لصناعة المستقبل وضمان التنمية المتوازنة.