مقالات

الأزمات وصناعة التحدي

 بقلم : د. خالد صالح 

الأزمات وصناعة التحدي

 

في تاريخ الشعوب ، هناك شعوب كثيرة مرت بمنعطفات خطيرة ، لكنها واجهت الأمر الواقع وإمتصت الصدمة ، وصنعت منها نقطة تحول وإنطلاق نحو الأفضل.

أنا متفاءل ، بأن ما مرت به بلادنا، سيكون نقطة تحول كبرى في تاريخها الحديث ، إذ أنه وبعيدا عن المسببات السياسية والعسكرية ، كانت الحرب قدرا مكتوبا على بلادنا ، وإمتحانا ربانيا علينا أن ننجح فيه ، لنعبر نحو فضاءات التقدم والإزدهار.

هناك تفاصيل مبشرة ، توضح أننا نسير في الطريق الصحيح على خطى النهضة والتقدم ، أولها التفكير العميق ، البلاد الآن تضج بعصف ذهني واسع يجتاج العقول والباحثين والعلماء في كآفة التخصصات للخروج من هذه الأزمة وتجاوزها بشكل مختلف وجديد ، وهذا أولى خطوات نهضة الشعوب التفكير العقلي المجرد والتخطيط السليم ، وحتى على مستويات عامة الناس ، هناك نمط تفكير جديد الآن يجتاح الشخصية السودانية ، ومراجعات فكرية دقيقة وجلد للذات ومراجعة لمواطن القوة والضعف ، ومثلما قال ديكارت قديما : ( انا افكر إذا أنا موجود)

فإن الذين أرادوا اغتيال الشخصية السودانية عبر الحرب وتدميرها لم ينجحوا في مساعيهم الخائبة ، فالشخصية السودانية موجودة وتتحدي ظروفها طالما أنها قادرة على التفكير وتجاوز ما حدث لها من صدمات وجعله نقطة إنطلاق نحو المستقبل .

هناك إشراقات على مستوى التفكير الجمعي للدولة نلحطه في كثير من الخطط والسياسات والبرامج ، أولها تعاملنا مع الآخر ( الأجنبي )، إذ لم تعد نظرتنا للآخر هي تلك النظرة الساذجة التي ترحب كثيرا بالآخر دون إعتبار لخطره على الأمن القومي بإبعاد المختلفة ، الحرب علمتنا درسا قاسيا ، أن بعض الآخرين يمكن أن يطعنوك في القلب تماماً، دفعنا ثمنا غاليا لنعي هذا الدرس ، سيكون تعامل السودان مع الآخرين على قاعدة التعامل بالمثل والمصالح المتبادلة، وهي قاعدة عادلة ومعمول بها في كل الدول المحترمة.

هناك الآن أفق جديد يتشكل في اروقة الحكومة ، يتجاوز النظرة الكلاسيكية التقليدية البائسة للأشياء ، ويعتمد على التخطيط نحو مستقبل زاهي ، خذ مثلا قرارات تفريغ شارع النيل والجامعة من المؤسسات الحكومية وإعادة تخطيط هذه المنطقة لتكون منطقة حضرية تجارية عالمية.

معالجة السكن العشوائي الذي يتم بصورة صارمة يصب في ذات الإتجاه ، ولطالما كشفت الحرب عن مضار وخطر السكن العشوائي وتهديده للأمن القومي.

تدشين بعض المؤسسات بشكل عصري ( مطار الخرطوم ) مثلا الذي يشهد الآن عودة مختلفة كليا عن شكله القديم البائس.

تفريغ المدن من القوات النظامية ، نحو معسكرات خارج المناطق الحضرية وبعيدا عن المدنيين ، وهو قرار جاء متأخرا كثيرا، بعد أن دفع كثير من المدنيين ثمنا باهظا جرائه ، ولم يكن ليجروء أحد على إتخاذه لولا الحرب التي مرت بها البلاد.

المهم أننا سنتجاوز هذه الصدمات ، وهذه الصفحة القاتمة في تاريخنا الوطني، نحو سودان ناهض يتجاوز خيباته وأزماته ومخاذيه نحو بلد متقدم ومتطور وعصري

، والأجيال المقبلة ستحصد ثمار هذا التفكير العقلي الجديد.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى