
البرهان والامتحان الأصعب: هل يحمي السودان من التقسيم؟
لا يختلف اثنان على أن السودان يعيش اليوم مرحلة مفصلية في تاريخه، مرحلة تختلط فيها دماء الشهداء بدموع الأمهات، وتتعالى فيها أصوات البنادق مع أصوات القلق الشعبي من مستقبل هذا الوطن الكبير. وسط هذه الظروف، يبرز الفريق أول ركن عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بوصفه القائد الذي واجه واحدة من أخطر المؤامرات التي حيكت ضد السودان في العصر الحديث.
الخرطوم… معركة السيادة:
المعركة التي شهدتها الخرطوم لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بين جيش نظامي ومليشيات خارجة عن القانون، بل كانت اختباراً حقيقياً لوجود الدولة السودانية ذاتها. حين ظن كثيرون أن العاصمة قد سقطت، أثبت البرهان ورفاقه في القوات المسلحة أن السودان لم ولن يكون لقمة سائغة في أفواه الطامعين. لقد كان الانتصار في الخرطوم بمثابة إعلان جديد بأن الجيش ما زال صمام الأمان وحارس السيادة الوطنية.
الانتصار الناقص:
لكن، دعونا لا ننخدع بنشوة الانتصار. فما زالت أجزاء واسعة من بلادنا ترزح تحت سطوة مليشيات الجنجويد، التي لم تكتفِ بالتمدد العسكري، بل مضت في تكوين حكومة موازية في دارفور واتخذت منها مقراً لإدارة سلطتها، في محاولة واضحة لفرض واقع الانقسام على السودان.
حكومة موازية في دارفور مشروع مدعوم إماراتياً:
معلوم للجميع أن مليشيات الجنجويد تجد دعماً مباشراً من دولة الإمارات، التي تحمل سجلاً معروفاً في تغذية الحروب الداخلية وتمزيق البلدان. الأمثلة شاخصة في ليبيا واليمن وسوريا، والآن يتكرر السيناريو في السودان عبر استخدام هذه المليشيات. الخطر لا يقتصر على وجود قوة عسكرية متمردة، بل في محاولة فرض دارفور ككيان منفصل تُحكم عملياً من قبل الجنجويد، بما يعني العودة مجدداً إلى دائرة الانقسام والتشرذم.
جرح لم يندمل:
منذ انفصال الجنوب، لم يلتئم جرح السودانيين. واليوم، الخوف يعتصر القلوب من أن يعاد المشهد ذاته مع دارفور. لذلك، فإن رسالة الشارع واضحة: لا نريد أن نفقد شبراً جديداً من أرضنا. السودان للسودانيين جميعاً، ولن نقبل أن يكون ملعباً لمليشيات ولا لأجندات خارجية تبحث عن مصالحها على حساب دمائنا.
مسؤولية تاريخية:
البرهان اليوم يقف أمام امتحان أكبر من الانتصار العسكري. مسؤوليته أن يحمي وحدة السودان، وأن يواجه بكل صلابة مشروع الجنجويد ومن يقف خلفهم. إن التاريخ يكتبه الأقوياء الذين يضعون مصلحة أوطانهم فوق كل اعتبار، وإن ذكرى القائد لا تخلّد إلا بما يتركه من إرثٍ يحمي الأجيال القادمة.
كلمة أخيرة:
نحن، الأغلبية الصامتة من أبناء هذا الشعب، نقولها بوضوح: نحن مع وحدة السودان، ومع كل من يدافع عنها. لسنا بحاجة إلى مغامرات جديدة تجر البلاد إلى الانقسام، ولسنا على استعداد لننزف من جديد جرحاً آخر يشبه جرح الجنوب.
البرهان أمام فرصة تاريخية: إما أن يقود السودان موحداً نحو بر الأمان، أو يتركه فريسة لمليشيات ودول تسعى لتفتيته. والتاريخ لا يرحم.