مقالات

حكومة الشباب: رؤية مساندة للدولة وصناعة قادة المستقبل

 بقلم  : د.محمد صلاح علي الفكي

 

حكومة الشباب: رؤية مساندة للدولة وصناعة قادة المستقبل

تمثل مبادرات الشباب اليوم أحد أهم مرتكزات النهضة الوطنية، ليس باعتبارها بديلاً للحكومة أو منافسًا لها، بل كقوة مساندة للدولة، تعمل في إطار وطني جامع، وتستند إلى مظلة استشارية مثل مجلس حكماء السودان. وفي هذا السياق، من المهم أن يدرك الشباب والمجتمع أن الدولة كيان ثابت ودائم يمثل الأرض والشعب والمؤسسات والسيادة، بينما الحكومة جهاز مؤقت يتغير بتغير الظروف. إن الولاء يجب أن يكون أولاً للدولة باعتبارها الإطار الجامع، وليس للحكومات التي تتبدل. هذا الوعي الوطني يعزز الاستقرار ويمنع الانقسام، ويجعل دور حكومة الشباب المساندة دعمًا للدولة واستمراريتها لا لمصالح آنية. ومن هنا تنطلق الرؤية بأن حكومة الشباب يجب أن تكون شريكًا في البناء، ترفد الدولة بالأفكار والمشروعات، وتقدم نموذجًا للحكم الرشيد، لا أن تُنظر إليها كجسم موازٍ أو بديل.

لقد أثبتت التجارب أن السودان لا يعاني من غياب الخطط أو ضعف الاستراتيجيات، وإنما من فجوة التنفيذ وضعف الحوكمة. وفي الفكر الإداري الحديث يُعتبر عدم تنفيذ الاستراتيجيات شكلًا من أشكال الفساد الإداري، لأنه يهدر الموارد ويبدد الطاقات. وإذا ما جرى تطبيق الخطط الوطنية بروح مسؤولة، فإن السودان قادر على التحول إلى دولة مؤثرة إقليميًا ودوليًا.

الرؤية الاستراتيجية لحكومة الشباب المساندة

إن جوهر هذه المبادرة يقوم على ترسيخ فكرة المساندة للدولة ومؤسساتها، من خلال:

•دعم جهود الحكومة الرسمية بخطط قطاعية شبابية.

•تحويل طاقات الشباب إلى مشروعات إنتاجية وخدمية تعزز الاقتصاد الوطني.

•تقديم بدائل عملية مبتكرة تسند أجهزة الدولة في تنفيذ الاستراتيجيات.

•تدريب وتأهيل القيادات الشابة عبر محاكاة مؤسسية للحكم الرشيد.

حكومة الشباب كمعمل محاكاة للحكم الرشيد

ينبغي أن يُقدَّم التشكيل الوزاري الشبابي كمعمل محاكاة للحكم الرشيد، حيث يتولى وزراء شباب إعداد خطط عملية في قطاعات التعليم، الصحة، الزراعة، التكنولوجيا، والحوكمة الرقمية. هذه الممارسة لا تُنشئ حكومة بديلة، بل تهيئ أجيالًا من القادة المؤهلين لإدارة الدولة في المستقبل بروح مؤسسية، بعيدًا عن الانفعال السياسي.

وزارة الذكاء الاصطناعي والرقمنة

في ظل الثورة الرقمية العالمية، من المهم أن يتضمن التشكيل الوزاري الشبابي وزارة مساندة للذكاء الاصطناعي والرقمنة، تقدم مبادرات عملية في الزراعة الذكية، الصحة الرقمية، التعليم الإلكتروني، والخدمات الحكومية المؤتمتة. مثل هذه الوزارة ستكون ذراعًا فنية مساعدة للدولة في مواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة.

مشاريع شبابية داعمة للوزارات

لتأكيد دورها المساند، يمكن لحكومة الشباب أن تقدم مشروعات واقعية، مثل:

•الصحة: وحدات طبية رقمية متنقلة تخفف العبء عن المستشفيات العامة.

•التعليم: منصة وطنية شبابية للتعليم المستمر تربط القرى بالجامعات.

•الزراعة: مشاريع ري مطري وذكي يقودها شباب بدعم من الطاقة الشمسية.

•العمل والتنمية الاجتماعية: برامج تدريبية ومهنية لتشغيل الشباب والنساء.

•الخارجية: مبادرات شبابية للدبلوماسية الرقمية تسند صورة السودان عالميًا.

البعد المقارن: الاستفادة من تجارب العالم

• المغرب: قدمت تجربة الحكومة الشبابية إطارًا لمساندة الدولة بتقارير بديلة وسياسات جديدة.

•رواندا: جسدت فكرة المساندة من خلال تمكين الشباب في كل مؤسسات الدولة بعد الحرب، ما حول التحدي إلى فرصة.

•سنغافورة: اعتمدت على دمج الشباب في أجهزة الدولة، فصاروا ركيزة للنهضة الاقتصادية.

•الإمارات: أنشأت وزارة للذكاء الاصطناعي ليس لموازاة الوزارات، بل لتقديم ذراع مساندة للدولة في صناعة المستقبل.

هذه النماذج تؤكد أن تمكين الشباب ليس شعاراً سياسياً، بل مشروعاً استراتيجياً، وأن السودان قادر على الاستفادة منها بما يتسق مع واقعه وتاريخه، عبر تبني مبادرات مساندة للدولة لا متصارعة معها.

البعد الإداري والدبلوماسي والقانوني

المبادرة تقوم على مبدأ المساندة المؤسسية، عبر شفافية واضحة، ونشر تقارير دورية للرأي العام، والعمل وفق قاعدة قانونية تحدد أنها جسم وطني استشاري، لا كيان سياسي حزبي. دبلوماسيًا، فإن تواصلها مع المبادرات الشبابية الإقليمية والعالمية سيعزز الاعتراف الدولي بدور الشباب السوداني كعنصر داعم للاستقرار.

التوصيات العملية لترسيخ دور حكومة الشباب المساندة

1. إطار قانوني وتنظيمي: وضع لائحة واضحة تُحدد أن حكومة الشباب جسم مساند للدولة تحت إشراف مجلس حكماء السودان.

2. مجلس استشاري شبابي: إنشاء مجلس شبابي استشاري يرفد الحكومة بتقارير ومبادرات عملية.

3. برامج محاكاة قطاعية: إعداد خطط وزارية شبابية تُعرض على أجهزة الدولة كمقترحات داعمة.

4. وزارة مساندة للذكاء الاصطناعي: تأسيس وزارة شبابية تقدم مبادرات رقمية مساعدة للوزارات الخدمية والإنتاجية.

5. التأهيل القيادي: تنظيم برامج تدريب لإعداد شباب مؤهلين للقيادة، بالشراكة مع الجامعات والمنظمات.

6. المشروعات التجريبية: إطلاق مشروعات شبابية صغيرة كنماذج عملية قابلة للتوسع.

7. التواصل الدبلوماسي: إنشاء منصة شبابية للتواصل مع منظمات الشباب العالمية.

8. حوكمة وشفافية: نشر تقارير دورية للرأي العام توضح الأنشطة والإنجازات.

المساندة بوصفها ركيزة المستقبل

إن حكومة الشباب المساندة ليست فكرة عابرة، بل مشروع استراتيجي وطني، يقدم للسودان قاعدة قيادية مؤهلة، ويُسهم في سد فجوة التنفيذ، ويحوّل الطاقات الشبابية إلى قوة إنتاج وإصلاح. وعبر هذا النهج، يصبح الشباب داعمًا لبقاء الدولة واستمرارها، لا منافسًا للحكومات، بل شريكًا في صياغة المستقبل وصناعة النهضة.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى