
رسالة إلى وزيري الزراعة والبيئة
السادة الوزراء المحترمين
بعد السلام عليكم ورحمة الله
• تتقاطع جهود وزارتي الزراعة والبيئة في حماية بلادنا من آثار التصحر وتعزيز استدامة الموارد الطبيعية.
• ومع ذلك، يواجه ملف التصحر تشتتًا إداريًا بين جهات متعددة، مما يقلل من فعالية الجهود الوطنية ويؤخر الوصول إلى حلول مستدامة.
• ومن هذا المنطلق، أكتب إليكم اليوم لأشارككم خبرة طويلة تراكمت عبر سنوات عملي، آملاً أن تسهم هذه الخبرة في دعم سياساتكم وتوحيد الجهود الوطنية لمكافحة التصحر وتخفيف آثاره.
السادة الوزراء
• كل نكسة، مهما عظمت، هي في جوهرها فاتحة لقفزة أعظم إلى الأمام (After every setback, there is a leap forward).
• مخاطر التصحر ظلت تهدد البلاد منذ القدم. وقد دفع هذا الخطر إلى ابتكار الأحزمة الشجرية الواقية منذ عهد ترهاقا العظيم، حوالي ألف سنة قبل الميلاد.
• جفاف 1984 وما رافقه من مجاعة ونزوح دفع لاتخاذ عدة إجراءات. تم إنشاء بنوك البذور، وتطوير نظم الإنذار المبكر، وإدخال محاصيل مقاومة للجفاف، وتعزيز المخزون الاستراتيجي.
• في عام 2009 حين تم إدخال القطن المحوَّر وراثيًا في البلاد، دفع هذا التطور إلى إعداد قانون السلامة الحيوية عام 2010م.
• كتاب “الزحف الصحراوي في السودان ومناطق أخرى بأفريقيا”، هدية البروفسور إدوارد بيرسي ستبنج للسودانيين، حفز الأميرال عبد الله بك خليل، أول وزير زراعة (1953)، ليحذر وينذر أن رفاهية شعبنا تعتمد على استغلال موارده الطبيعية بشكل رشيد.
• أزمة الصراع حول الموارد في دارفور دفع الموارد الطبيعية إلى صميم قضايا السلام والأمن القومي في البلاد.
• ارتباط التصحر بالأنشطة الزراعية دفع وزارة الزراعة إلى إنشاء آليات لمكافحته وتخفيف آثاره:
• منها: اللجنة القومية لمكافحة التصحر 1972 –1976م؛ المكتب القومي لمكافحة التصحر والجفاف 1979م؛ مكتب تنسيق برامج ال تصحر1981م؛ الوحدة القومية لتنسيق برامج مكافحة الجفاف والتصحر 1991م.
• خطر التصحر دفع البروفيسور أحمد علي قنيف، وزير الزراعة في التسعينات، إلى التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر فور صدورها عام 1994، واضعاً السودان في المرتبة رقم 12 من بين الـ 192 دولة الموقّعة على الاتفاقية.
• غياب كيان مؤسسي ضامن لاستمرارية برامج مكافحة التصحر وتكاملها في البلاد كان مشكلة كبيرة. لذلك، نظمت وزارة الزراعة منتدى قومي عام 1998، أوصى بسن قانون لإنشاء مجلس قومي لمكافحة التصحر تحت مظلة إدارية عليا في البلاد.
• مبادرة وزير الدولة السابق في وزارة الزراعة، بروفيسور الأمين دفع الله، عند توليه رئاسة اللجنة الزراعية بالمجلس الوطني، كللت بصدور قانون التصحر 2009، وإنشاء المجلس القومي الموصى به تخت رعاية رئاسة الجمهورية.
• وبموجب قرار مثير للجدل، تم عام 2016 نقل ملف التصحر من وزارة الزراعة إلى وزارة البيئة، وسط مخاوف من تأثر استمرارية برامج المكافحة بشكل فعال.
• ما جعل الأمر أكثر حساسية هو أن ليس كل تغيير أو تطور يعني تقدمًا حقيقيًا للأمام؛ فالتطور في الطبيعة والسياسات أحيانًا يحدث بطريقة جانبية أو مع فقدان بعض القدرات.
• فكثيراً ما تتراجع فعالية مؤسسة إذا تم توزيع مسؤولياتها على جهات متعددة دون سابق تنسيق.
• إن كل نكسة في مسار مكافحة التصحر تمثل فرصة لإعادة التنظيم وتحقيق قفزة إلى الأمام.
• ومن الأمثلة الواقعية على ذلك، أنه في عام 2020 تم إلغاء المجلس القومي لمكافحة التصحر، المظلة الوطنية العليا لضمان استمرارية وتكامل البرامج.
• إلى جانب حذف عشرة مواد أساسية من قانون التصحر، مما أضعف البنية القانونية للقضية.
• وبهذا الإلغاء والحذف، فقدت البلاد التنسيق المؤسسي الشامل والآلية القوية لمكافحة التصحر.
• واليوم، يظل الملف موزعًا بين جهات متعددة، مما يقلل من الفعالية ويؤخر الوصول إلى حلول مستدامة.
• لتوضيح أهمية وجود كيان تنسيقي أعلى لمكافحة التصحر، يكفي النظر إلى إنجازات المجلس القومي خلال عمره القصير (3 سنوات).
• تمكن المجلس بفضل طبيعته التنسيقية العليا واستقلاليته، وتمويل الشركاء، ورغم الموارد المحدودة والكوادر القليلة، من تحقيق الآتي:
• إعداد استراتيجيات وخطط وطنية شاملة لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي وتخفيف آثار الجفاف للفترة 2018–2030، بما فيها تحديث الخطة الوطنية لمكافحة التصحر السابقة ومواءمتها مع الاستراتيجية العامة.
• نُفذت برامج تدريبية شملت نحو 120 متدربًا في المفاوضات وصياغة وإدارة المشاريع، إضافة إلى فرص تدريب دولية أسهمت في رفع قدرات العشرات من الكوادر الوطنية.
• إطلاق مشروع مرصد إقليمي للتصحر والجفاف، مع إقامة شراكات فاعلة مع الفاو والاتحاد الأوروبي والسياج الأفريقي الأخضر الكبير.
• عُزز العمل المؤسسي بالاستفادة من كوادر وطنية وخبراء متعاونين، شملت 23 مؤسسة وطنية ونحو عشرة معاهد بحثية متخصصة في مكافحة التصحر وتدهور الأراضي.
• أُعيد إصدار مجلة التصحر بعد توقف دام ثلاثة عقود، إلى جانب إطلاق موقع إلكتروني وقناة يوتيوب لتعزيز التوعية والانتشار.
• هذا كله يبرز الفارق الكبير الذي يحدثه وجود كيان تنسيقي أعلى، ويُظهر المخاطر التي تترتب على غيابه عندما يُصبح ملف التصحر مجرد مسؤولية إدارية موزعة على جهات متعددة.
• من واقع هذه الخبرات والإنجازات السابقة، أرى أن الحلول العملية تكمن في إعادة تأسيس مجلسٍ مستقل، يعمل تحت مظلة تنسيقية عليا تضم الجهات ذات الصلة والهيئات البحثية، ليظل قادراً على المتابعة وتوحيد الجهود الوطنية بعيداً عن التشتت.
• النكسات، مهما تعاظمت، تفتح أبواباً أوسع لفرص جديدة.
• فبعد كل نكسة هناك قفزة للأمام (After every setback, there is a leap forward).
• فلنجعل هذه القفزة أقوى وأرفع.
• أكتب إليكم بوصفي خبيراً متقاعداً، لم تعد لي مطالب شخصية أو طموحات في منصب، لكن تبقى في داخلي رغبة صادقة أن أكون شاهداً على هذه القضية، وأن أنقل ما تراكم من خبرة السنين لتعين على إيجاد حلول نافعة للأجيال القادمة.
• المسألة خطيرة وتحتاج إلى جهد وطني مشترك تتضافر فيه المؤسسات الرسمية مع المجتمع المحلي.
• ومن واقع خبرتي السابقة أرى أن المتابعة الدورية للخطة الوطنية لمكافحة التصحر، مع إشراك الجامعات والإدارات الأهلية والمجتمعات.
• هذه الخطوة تساعد في إنجاح المبادرات القائمة وتقليل المخاطر.
• وأملي أن يكون عهدكم بدايةً للقفزة الكبرى التي يستحقها السودان.
مع فائق التقدير والاحترام.
شاهد على القضية