مقالات

رسالة الجمعة: رحلة الإنسان بين الحيرة والطمأنينة

بقلم : د. عبد العظيم ميرغني

رسالة الجمعة: رحلة الإنسان بين الحيرة والطمأنينة

• في قصة “حد الموسى” لسومرست موم، عاد لاري داريل من أهوال الحرب مثقلاً بثلاثة أسئلة كبرى: هل يوجد إله؟ وهل للروح خلود أم أن الحياة تنتهي بموت الإنسان؟ ولماذا وُجد الشر؟

• حاول أن يجد في صخب نيويورك وبريق باريس ما يطفئ عطشه الروحي، غير أن المال والجاه لم يمنحاه ما كان يبحث عنه.

• فاختار الرحيل إلى الشرق، باحثاً عن جواب يطمئن به قلبه، ومبدأ يؤمن به، وإيمان ينفذ إلى أعماق الروح.

• ولما مضى في تلك الرحلة الشاقة، كان كمن يسير على حدّ الموسى الحاد؛ طريق وعر لم يبلغه إلى يقين نهائي، لكنه فتح أمامه باب سكينة غامضة منحت قلبه طمأنينة، وإن لم تمنحه كل الأجوبة.

• ولعل من أحسن القصص التي تشبه هذه الرحلة، قصة فتى يقال له إبراهيم عليه السلام، إذ نظر في الكوكب ثم القمر ثم الشمس، وكان كلما أفل أحدها قال: ﴿لَئِن لَم يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾.

• ثم لما هداه ربه وأكرمه بأن جعل النار برداً وسلاماً عليه، ازداد شوقه إلى مزيد من الطمأنينة، فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾، فأراه الله المعجزة ليزداد يقينه.

• وعلى نحو قريب، وقف كليم الله موسى عليه السلامk يناجي ربه بعد أن كلمه، قائلاً: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾، طلباً لمرتبة أعلى في المعرفة والمشاهدة.

• هنا يبرز القاسم المشترك بين هذه القصص العظيمة وقصة لاري داريل، وهو ذلك البحث الفطري عن أصل الوجود ورفض الاكتفاء بالمظاهر.

• فلاري لم يرضَ بالمعرفة السطحية أو بالفلسفة وحدها، بل كان يتطلع إلى إيمان نافذ يتغلغل في أعماق القلب، على أساس من الإدراك الصحيح.

• وكذلك الأنبياء، مع ما أوتوه من يقين، لم يتوقفوا عن سؤال الله المزيد من الطمأنينة وزيادة في اليقين.

• فإن كانت رحلة لاري جغرافية نحو الشرق، فرحلة الأنبياء قلبية وباطنية إلى أعماق الروح وتسمو فوق حدود المكان.

• وهذا ما بينه الوحي في تدرجٍ قرآني متصاعد: من الإسلام إلى الإيمان ثم إلى الإحسان، حتى يبلغ القلب مراتب اليقين؛ علم اليقين بالخبر الصادق، ثم عين اليقين بالمشاهدة، وأخيراً حق اليقين بالمعايشة المباشرة.

• هكذا تتضح الصورة؛ فلاري داريل لم يجد إلا بداية الخيط وسكينة أولية، بينما جاء الوحي بالإجابات الحاسمة:

• ففي وجود الله جاء: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وفي مسألة الشر جاء: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾. وأما في خلود الروح فقد جاء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾.

• هكذا فإن ما كان داريل يبحث عنه في الشرق قد فصله القرآن بوضوح، ورسم طريقه للإنسان، بدءاً بالإسلام والإيمان وينتهي بالطمأنينة الكاملة، والنور الذي يجمع بين الفطرة والوحي والبرهان.

فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام.

جمعة مباركة.

 

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى