مقالات

بورتسودان: العاصمة الدبلوماسية واللوجستية للسودان – عروس البحر الأحمر

بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

بورتسودان: العاصمة الدبلوماسية واللوجستية للسودان – عروس البحر الأحمر

إن تحويل بورتسودان إلى عاصمة دبلوماسية ولوجستية لا يعني مجرد نقل مبانٍ أو مقار حكومية، بل هو مشروع قومي استراتيجي يعيد تعريف دور السودان في محيطه الإقليمي والدولي. بورتسودان ليست فقط ميناءً للتجارة، بل هي نافذة السودان نحو العالم، وساحرة البحر الأحمر التي تجمع بين العمق الاستراتيجي والجمال الطبيعي، بين السياسة والاقتصاد، وبين الانفتاح الدبلوماسي والازدهار السياحي.

إنها رؤية لبناء دولة حديثة، مرنة، عادلة، وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل عبر توزيع الأدوار بذكاء:

الخرطوم: القلب السيادي والرمزي.

بورتسودان: العاصمة الدبلوماسية والبوابة اللوجستية.

العاصمة الإدارية/الخدمية: المركز الإداري–المالي المنظم بعيدًا عن ازدحام الخرطوم.

الهيكل السياسي–الدبلوماسي

1. الخرطوم (العاصمة السيادية والسياسية)

مقر رئاسة الجمهورية (القيادة العليا والرمزية).

مجلس الوزراء والبرلمان والمحكمة الدستورية.

الوزارات السيادية (الدفاع، الداخلية، العدل، المالية).

وزارة الخارجية – القسم السياسي: يظل في الخرطوم لمتابعة العلاقات السياسية العليا وصنع القرار السيادي.

2. بورتسودان (العاصمة الدبلوماسية واللوجستية)

مكتب الرئيس: مكتب تنفيذي يعالج القضايا ذات الصلة بالدبلوماسية والتمثيل الدولي.

مكتب رئيس الوزراء: لمتابعة المشاريع التنموية والتنسيق مع الميناء والمنطقة الاقتصادية.

وزارة الخارجية – المركز الدبلوماسي: إدارة العلاقات متعددة الأطراف، البعثات الدبلوماسية، والمنظمات الدولية.

وزارة التجارة – فرع بورتسودان: إدارة التجارة الخارجية عبر الميناء، والتنسيق مع السفارات بخصوص الاستثمارات.

السفارات: جميع السفارات والبعثات الأجنبية تُنشأ في حي دبلوماسي حديث بمواصفات عالمية، وفق عقود إيجار طويلة الأمد (99 عامًا).

3. القنصليات

الخرطوم: قنصليات عامة كبرى تقدم الخدمات للمواطنين (تأشيرات، جوازات، معاملات تجارية وثقافية).

المدن الكبرى (الأبيض، نيالا، دنقلا): مكاتب قنصلية أصغر لتقديم خدمات أساسية.

التوضيح الاستراتيجي: الفصل بين “السفارة” (عمل سياسي–دبلوماسي في بورتسودان) و”القنصلية” (عمل خدمي–إداري في الخرطوم والمدن) يحقق الأمن القومي، الكفاءة التشغيلية، وتيسير الخدمات للمواطنين.

المحاور الاستراتيجية

1. المحور الدبلوماسي والسياسي

حي دبلوماسي دولي بالقرب من مطار بورتسودان يضم السفارات، فنادق، مركز مؤتمرات، ومرافق خضراء آمنة.

مقر وزارة الخارجية الدبلوماسي، مجهز بتقنيات اتصال وأمن متطور.

مركز إقليمي للوساطات والسلام، ليجعل بورتسودان منصة تفاوضية دولية شبيهة بـ “جنيف أفريقيا”.

2. المحور اللوجستي والاقتصادي

تطوير ميناء بورتسودان ليتحول إلى منصة لوجستية عالمية.

إنشاء منطقة اقتصادية خاصة (SEZ) لجذب الصناعات والخدمات.

ربط بورتسودان بخطوط سكك حديدية وطرق سريعة ومطار دولي حديث.

3. المحور العمراني والسياحي

تطوير البنية التحتية (مياه، كهرباء، اتصالات).

إنشاء مستشفيات دولية وجامعات بحثية.

استثمار الشعاب المرجانية وسحر البحر الأحمر لتطوير السياحة البيئية والبحرية، مع كورنيش عالمي وفنادق راقية.

المزايا الاستراتيجية

أمن قومي: عزل النشاط الدبلوماسي عن المراكز السيادية.

خدمة المواطن: تسهيل المعاملات عبر القنصليات في الخرطوم والمدن.

تنمية متوازنة: تحويل الشرق إلى قاطرة اقتصادية وسياحية.

مكانة دولية: ترسيخ موقع السودان كجسر بين أفريقيا والعالم.

بهذا التصور، تتحول بورتسودان إلى عاصمة دبلوماسية ولوجستية، والخرطوم تبقى قلب السيادة، بينما تتكامل العاصمة الإدارية والخدمية معهما لتبني دولة عصرية، قوية، ومتوازنة.

  هذه الرؤية بالفعل تنسجم تمامًا مع فكرة العواصم المتعددة المتخصصة؛ فهي ليست طرحًا نظريًا معزولًا، بل تقوم على منطق التجارب الدولية التي أثبتت أن توزيع الوظائف الاستراتيجية على أكثر من مدينة يخلق توازنًا في التنمية ويقلل من مركزية السلطة والضغط الاقتصادي.

فلو نظرنا إلى تجارب جنوب إفريقيا (بريتوريا للعاصمة الإدارية، كيب تاون للتشريعية، بلومفونتين للقضائية) أو تجربة هولندا (أمستردام للعاصمة الدستورية، لاهاي للمؤسسات الدولية)، نجد أن هذه النماذج منحت مرونة أكبر في إدارة الدولة، وفتحت المجال لتنمية مدن متعددة بدلًا من تركز كل السلطات والأنشطة في عاصمة واحدة مكتظة.

وبناءً على هذا المنهج، يمكن القول إن الرؤية السودانية المقترحة تقوم على إعادة هندسة الخريطة الوطنية بحيث تكون الخرطوم عاصمة سياسية–سيادية، وبورتسودان عاصمة تجارية–دبلوماسية بحرية، مع فتح المجال لعواصم أخرى متخصصة في مجالات مثل التعليم العالي، البحث العلمي، أو حتى الصناعات.

بهذا الشكل، تصبح الفكرة ليست فقط معالجة للواقع الراهن، وإنما استراتيجية استباقية تمنح البلاد قدرة على الصمود والتكيف، مع توزيع المخاطر والتنمية بصورة متوازنة.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى