مقالات

فرص السودان في أسواق الكربون الطوعي

بقلم : د. عبد العظيم ميرغني

فرص السودان في أسواق الكربون الطوعي

• في قاعات الاجتماعات المزدحمة بالخبراء، كثيرًا ما تُسمع عبارات مثل هذه:

• غياب الـ MRV يعيق دخول السودان في الـ VCM، ويؤخر إصدار الـ VCUs، وبيعها في ال (Verra) مثلا، مما يستدعي من الـ NDA الإسراع في التسجيل وضمان الهارمونايزيشن مع الـ NDCs لفتح المشاركة في الـGCM.

• فحوى هذه العبارات المشفرة، بالعربي الفصيح، أن أمام السودان فرصة كبيرة للاستفادة من سوق الكربون الطوعي (VCM)، عبر مشروعات الحد من قطع الغابات وتدهورها. لكن غياب نظام وطني معتمد لقياس الانبعاثات ومتابعتها والإبلاغ عنها (MRV) يحول دون إصدار شهادات الكربون (VCUs) وبيعها في منصات تسجيل وشراء أرصدة الكربون العالمية مثل منصة (Verra). ومن هنا تبرز أهمية أن تُسارع الجهة الوطنية المسؤولة (NDA) بالتسجيل وضمان التنسيق مع الخطط المناخية الوطنية المعلنة (NDCs) الخاصة بالسودان.

• ميزة لغة الخبراء المشفرة هذه، أنها تمنحهم الدقة وسرعة وسهولة التعبير، والفهم المشترك. لكنها في ذات الوقت قد تشعر بقية المشاركين من غير ذوي الاختصاص بالإقصاء.

• فكرة سوق الكربون ببساطة، هي كل نشاط يسبب تلوثًا أو انبعاثات غازات ضارة – مثل غاز ثاني اكسيد الكربون – يجب أن يدفع مقابله.

• في المقابل، أي مشروع أخضر يقلل الانبعاثات عن طريق رفع كفاءة استخدام طاقة الكتلة الحية (استخدام مواقد محسّنة بدل التقليدية مثلاً)، أو امتصاص الكربون الجوي (زراعة الأشجار)، يكسب رصيدًا كربونيًا، يمكن بيعه في سوق العالمي.

• البائعون هم البلدان أو الشركات التي تنفّذ هذه المشاريع. أما المشترون فهم شركات الطيران أو المصانع أو دول ترغب في تعويض تلوثها عبر شراء هذه الأرصدة.

• وفي هذا السياق يبرز سؤال: ما هي المتطلبات التي يجب على السودان استيفاؤها للوصول فعليًا إلى أسواق الكربون؟

• أولاً، إثبات وجود غابات (مثل حزام الصمغ العربي)، أو أراضٍ واسعة قابلة للزراعة بالأشجار أو الحماية من التدهور، باعتبارها مخزناً للكربون يمكن حسابه وبيعه.

• ثانياً، أن تقوم الحكومة أو القطاع الخاص بتسجيل مشروعات رسمية في المنصات الدولية، سواء كانت مشروعات للتشجير أو لحماية الغابات أو لاستخدام الطاقة النظيفة.

• ثالثاً، خضوع هذه المشروعات لعمليات تحقق دولية عبر جهات مستقلة، للتأكد من حجم الانبعاثات التي تم خفضها أو كمية الكربون التي جرى امتصاصها وتخزينها.

• ورابعاً، بعد إتمام التحقق، يحصل السودان على أرصدة كربون معتمدة يمكن بيعها في سوق الكربون العالمي.

• ثم تأتي أخيرًا مرحلة البيع وجلب العائدات بالدولار أو العملات الصعبة، والتي يمكن استثمارها في تنمية الغابات وتحسين حياة المجتمعات المحلية.

• إدراج هذه مثل المشروعات ضمن المساهمات المحددة وطنياً (NDCs) التي التزم بها السودان للحد من الانبعاثات في إطار اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ، يعزز موقعه الدولي ويدعم خططه الوطنية.

• ومن أمثلة المشاريع الخضراء التي تمكن السودان من ولوج سوق الكربون الطوعي: مشروع المواقد المحسنة ومشروع التشجير. وذلك في ظل اعتماد ملايين الأسر على الحطب والفحم، ما يؤدي إلى قطع الغابات وتلوث الهواء المنزلي.

• ففي مشروع استبدال المواقد التقليدية (الكوانين أو نظام اللدايات) بمواقد محسّنة أو نظيفة، يتم تسجيله في سوق الكربون الطوعي ـVCM))، حيث يُجرى التحقق (MRV) من كمية الحطب التي جرى توفيرها، ثم تُمنح أرصدة كربونية يمكن بيعها لشركات عالمية.

• والنتيجة هي تقليل استهلاك الحطب، تحسين صحة البيئة المنزلية، وتوفير دخل إضافي من بيع الكربون.

• ومثال حي على ذلك مشروع منظمة Practical Action في دارفور، الذي وزّع أكثر من 12,000 موقد وقلّل أكثر من 232,000 طن ثاني أكسيد الكربون.

• أما مثال التشجير الأخضر، فيتمثل في ملايين أشجار الهشاب في حزام الصمغ العربي التي تمتص الكربون، لكن قطعها لاستخدام الحطب والفحم يهدد الغابات.

• لذلك فإن حماية الأشجار القائمة وزراعة أشجار جديدة يمكن أن تُسجل في سوق الكربون الطوعي (VCM)، حيث يزور خبراء دوليون المواقع لقياس الكربون الممتص.

• فمثلًا، إذا امتص كل هكتار 7 أطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وغطي المشروع مليون هكتار، فإن الكمية الممتصة تصل إلى 7 ملايين طن سنويًا، وبسعر 10 دولارات للطن، يكون العائد 70 مليون دولار سنويًا.

• بدمج المشروعين معًا، يمكن للسودان أن يدخل أسواق الكربون الطوعية (VCM) ويجني عشرات الملايين من الدولارات سنويًا، مع تحقيق فوائد مباشرة للمجتمعات المحلية.

• ولا تقتصر فرص السودان في هذه الأسواق على الغابات وحدها، إذ يمكن أن تشمل مشروعات أخرى مثل الطاقة الشمسية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وإدارة المخلفات لإنتاج طاقة أو سماد عضوي.”

• ورغم ما يتيحه دخول السودان لأسواق الكربون من فرص تنموية، إلا أن هناك جوانب أساسية ينبغي مراعاتها، أهمها:

• ضمان الشفافية والحوكمة عبر آلية وطنية واضحة لإدارة العائدات وتوجيهها للمجتمعات المحلية. مع بناء قدرات الكوادر السودانية على إعداد وإدارة المشروعات وفق المعايير الدولية.

• كما أن العدالة المناخية تقتضي أن يحظى السودان – وهو من أقل الدول إسهاماً في الانبعاثات وأكثرها تضرراً من آثارها – بفرص عادلة في هذه الأسواق.

• ومع ذلك، تبقى تحديات مثل تعقيد إجراءات التحقق(MRV)، مما يستدعي شراكات قوية مع جهات خبيرة لضمان نجاح المشاركة السودانية.

• والآن، عزيزي القارئ، بعد أن سمعتَ لغة الخبراء المشفّرة: “غياب الـ MRV يعيق دخول السودان في الـ VCM، ويؤخر إصدار الـ VCUs، وبيعها في منصات عالمية مثل (Verra)، مما يستدعي من الـ NDA الإسراع في التسجيل وضمان التنسيق مع الـ NDCs لفتح المشاركة في الـGCM، هل لا تزال تشعر بالإقصاء؟

• أم بت تدرك أن وراء هذه الرموز تكمن فرصة حقيقية للسودان في تحويل غاباته ومشاريعه الخضراء إلى رصيدٍ اقتصادي يغيّر الواقع؟

آمالي في حسن الخلاص، وتقديري العميق.

 

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى