مقالات

رحلة في تلاجة (1-2)

زاوية شوف أخرى : ناجي فرح يوسف

 

رحلة في تلاجة (1-2)


منذ ان خرجت من الخرطوم بدايات الحرب لم تكن لدي الرغبة أبدا في الذهاب اليها مرة أخرى لاني كنت قد قررت قبل ان تقوم الحرب ان انتقل لولاية نهر النيل وامارس عملي من هناك، وتحديدا من منزلي بالعمراب غرب الدامر.

فقد احتسبت عند الله كل ما تركته خلفي من اشياء وذكريات وفوضت أمري الى الله. لكنني كنت اتلهف على تحرير الخرطوم لا لأن أعود اليها ساكنا،، بل لأنها قطعة من الوطن تستنجد ابناءها، و كنت أخاف ان ارى بام عيني ما حاق بها من غدر و مكر وخيانة.

شاءت الاقدار ان وجدت أحدا سيسافر الى هناك ليوصل شحنة على متن ثلاجة الى امدرمان، لأن صاحب الثلاجة كان مريضا حسب قوله، وقال له ان الشحنة عبارة عن احذية وملابس.

كان عشمي ان اذهب الى هناك و أحضر معي ما تبقى مما ترك آل دقلو، ان تبقى شيئا في المكتب أو البيت.

ركبنا الدفار الثلاجة من شارع النحدي عند مدخل مدينة الدامر. وكان معنا ابن صاحب التلاجة واحد اقربائه.

كانت الثلاجة تعاني الامرين من ثقل ما بداخلها، وكل ما نتجه جنوبا يزداد قلبي في الخفقان فأمني نفسي ان أربه خيرا بعد ان رأينا تلك المفاطع المؤلمة للخرطوم التي تغنى لها وبها عشاقها.

و أول ما اوجعني كثرة الترابيز والجبايات على طول الطريق مما سيؤثر سلبا على سوق النقل أو سوق الاخلاق تفاديا لجبروت الجبايات.

بعد دفع رسوم العبور ، هناك شرطة المرور، تأمين رخصة، قزاز، حذاء مكشوف خطرات، منشات، لمبات بالجنبة، والى آخر القائمة. ثم الضرائب والزكاة والقيمة المضافة، و خمسين مليون دعم ولاية الخرطوم ، و مائة وعشرين مليون نفايات حتى لو البست الدفار بامبرز، هذا ما تذكرته.

تهتم الدولة ان تملأ مواعينها مالا لكنها لا تلتفت الى مغبة ذلك وما يترتب عليه من ناحية اقتصادية أو اخلاقية.

والغريب في الأمر ان الجميع يعلم بما بدفع خارج نطاق الدين والاخلاق، فقد رأيت كشف منصرفات الرحلة الذي قدمه سائق التلاجة الى صاحبها، ومن ضمن ما كتب تحت المبلغ والبيان، حدد المبلغ وكتب امامه رشاوي، أي والله رشاوي.

لم يسلم ارتكاز من هذا البند بحجج هكذا وجدان اباؤنا الاولون، وعلى كثرة الارتكازات ترهقك الدفعيات وعلى كثرة السيارات المارة تقل قيمة الرشوة، مليون مليونان. فلا عجب ان ترى سيارات خاصة بجانب أي ارتكاز يدعي المرتكزين فيه العوز تبريرا لما يطلبونه.

حوالي الواحدة والنصف ليلا وجدنا ارتكازا أمام قسم ابو حليمة، وقال انا الشرطي (عندنا حظر) اوقفوا السيارات، قلت له هل هناك حظر في ولاية الخرطوم؟ لم يجب على السؤال، ولأن التعب أخذ منا مأخذا قلنا لا بأس ان نقضي باقي ليلتنا تلك راحة مما اصابنا من رهق.

فصعد السائق و الاثنان اللذان كانا معنا الى ظهر الثلاجة ليناموا، لكن عندما تجمع عدد من السيارات والشاحنات والتي كان منها ما تحمل خضارا تقصد به السوق المركزي، و هذا كان سبب الحظر المقطوع من الرأس.

بدأت الدفارات في التحرك بعد أن غشت سائقيها ومن اوقفنا لعنة الله في ذلك الثلث الاخير من ليلة الجمعة، و بينما كنت مستلقيا في كبينة التلاجة اتابع الحوارات أتى الشرطي يخبط على باب الدفار قائلا:، ( أرح … أرح) فقلت له (أرح وين؟) قال لي (اتحركوا عشان تلحقوا الكبري)، وسألني عن السائق فقلت له (مسطح فوق التلاجة), فنادى عليه ونال من مبتغاه وكنا آخر سيارة تحركت.

لم تكن هناك اضاءة كافية لنرى حجم الدمار والمآسي على جانبي الطريق كما هي، و حوالي الثالثة صباح الجمعة كنا في ارتكاز كبري الحلفايا، سألونا هناك كما كنا نسأل في كل ارتكاز وكانت الاجابة نفسها، ملابس واحذية.

طلبوا فتح الباب، قام فتح جزء من احد الأبواب بعد معاناة، لم يظهر حذاء واحدا ولا قميصا، كانت عبارة عن كراتين ملفوفة بالخيش ومكتوب عليها اسماء، وعند فتح اجزاء منها ظهرت بضائع أخرى.

فاشطاط أفراد الارتكاز غضبا وامروا بادخال التلاجة في المسار الميت من الشارع لتفريغها وتفتيشها …..و غدا نواصل

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى