مقالات

خطوات نحو التعافي الوطني: من المانيفستو إلى بناء الدولة الحديثة

بقلم : د. محمد صلاح علي الفكي

 

خطوات نحو التعافي الوطني: من المانيفستو إلى بناء الدولة الحديثة

ما هو المانيفستو؟

المانيفستو هو وثيقة قصيرة وواضحة تُوضح ما تريد جهة أو دولة تحقيقه، ولماذا، وكيف ستنفذه.

يمكن تشبيهه بـ:

خارطة الطريق: تبين المسار الذي ستسلكه الدولة أو المشروع للوصول إلى أهدافه.

وعد عملي: يربط بين الرؤية والأفعال، بحيث يعرف الجميع ما هو المطلوب وما هو الهدف.

أداة مشاركة: تجعل كل المواطنين أو المعنيين على علم بما سيحدث، ويستطيعون متابعة التقدم والمساءلة.

بعبارة أبسط:

> المانيفستو هو إعلان رسمي للأهداف والخطط، مكتوب بطريقة يفهمها الجميع، ويُلهم الناس للمشاركة في تحقيقها.

إن إطلاق أي مانيفستو لبناء الدولة الحديثة ليس مجرد إجراء شكلي، بل خطوة استراتيجية تتطلب وضوح الرؤية، وضبط الأهداف، وتحديد معايير النجاح بدقة. فالمشاريع الوطنية الكبرى تمثل نقاط تحول في مسار الدول، إذ تجمع بين الإرادة الجماعية، والتوافق المجتمعي، والعمل المؤسسي المنظم، وتستند إلى قواعد علمية ومنهجيات واضحة لضمان الأثر الملموس.

لقد نجحت دول عدة في استخدام المانيفستو كأداة تحول وطني:

سنغافورة: أطلقت مانيفستو التنمية الذي دمج بين الصرامة القانونية والتخطيط الحضري والتعليم، فتحولت من ميناء متواضع إلى واحدة من أنجح اقتصادات العالم.

اليابان: جعلت من مانيفستو إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية التزامًا وطنيًا يعزز الانضباط والنظافة والإنتاجية، حتى أصبحت نموذجًا عالميًا للتنمية الشاملة.

رواندا: بعد أحداث التسعينيات، تبنت مانيفستو “رؤية 2020” الذي ركز على المصالحة الوطنية والتنمية الاقتصادية، فانتقلت من الانهيار إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا.

يقوم المشروع الوطني على تأسيس عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، ويعزز الحكم الرشيد والحوكمة المؤسسية، ويربط القرارات التنفيذية بأهداف التنمية المستدامة الـ17. وفي هذا الإطار، تصبح الاستراتيجية ربع القرنية (2007–2031م) مرجعًا أساسيًا لربط الرؤية بعيدة المدى بخطط العمل المرحلية، مع الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة.

التعافي الوطني يبدأ من إصلاح منظومة القيم والسلوك العام، وترسيخ الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وخلق بيئة تشاركية تسمح لكل فئات المجتمع بالمساهمة في صياغة المستقبل. وهنا تأتي أهمية المانيفستو باعتباره التزامًا علنيًا يحدد الاتجاه ويضمن الشفافية والمساءلة.

ولكي يتحول المانيفستو إلى واقع، لا بد من:

1. تحديد أهداف استراتيجية مرتبطة بمؤشرات أداء قابلة للقياس (KPIs) ضمن إطار زمني محدد.

2. اعتماد آليات تنفيذ واقعية تستند إلى الإمكانات المتاحة والموارد المستدامة.

3. تفعيل المشاركة المجتمعية من خلال الحوار المفتوح ومنصات التواصل الفاعلة.

4. دمج التجارب الدولية الناجحة مع الخصوصية الوطنية.

إن بناء الدولة الحديثة مشروع حضاري متكامل، لا يقوم على العشوائية أو ردود الأفعال، بل على التخطيط الاستراتيجي المتدرج، حيث تتكامل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقانونية والدبلوماسية، ويكون المواطن شريكًا في صياغة وتنفيذ الرؤية. ومن هنا، فإن إطلاق المانيفستو ليس نقطة نهاية، بل بداية طريق طويل نحو سودان مستقر ومزدهر ومتجدد، يضع الإنسان في قلب التنمية ويجعل من الاستدامة مبدأ لا خيارًا.

“المانيفستو ليس ورقة تُقرأ، بل عهدٌ يُبنى، وخارطة طريق نحو وطن يتسع للجميع. حين تتوحد الرؤية وتلتقي الإرادة، يصبح المستحيل ممكنًا، ويصبح الحلم واقعًا. السودان الحديث يبدأ من فكرة صادقة تُترجم إلى فعل منضبط، ومشروع وطني متكامل، يضع الإنسان أولًا، ويجعل من القيم أساسًا للتنمية، ومن الوحدة قوةً للمستقبل.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى