مقالات

حصاد مياه الأمطار: فرصة السودان للتنميةش

بقلم : د. محمد صلاح الفكي

 

“حصاد مياه الأمطار: فرصة السودان للتنمية”

يمثل حصاد مياه الأمطار والسيول أحد أهم الحلول الاستراتيجية لمواجهة تحديات نقص المياه. وبينما تتسارع دول العالم في تطوير تقنيات الحصاد المائي، يظل السودان بحاجة ماسة إلى استغلال موارده الطبيعية الهائلة عبر خطط علمية وعملية تضمن استدامة الموارد وتحقيق الأمن المائي للأجيال القادمة.

في عام 2014م، وأثناء جلسة خاصة بمنزل المهندس عبدالله مختار، دار حديث ثري عن تطور البنية التحتية في السودان وهجرة الكفاءات الهندسية. أوضح أن عددًا كبيرًا من خريجي جامعة الخرطوم قد ابتعثوا لإكمال دراساتهم العليا في أوروبا وأمريكا، ما أكسبهم خبرات نوعية متميزة في مجالات الهندسة المدنية وإدارة البنية التحتية. وكان من بينهم المهندس عبدالله مختار نفسه، الذي ابتعث إلى ألمانيا لدراسة الهندسة المدنية، حيث اطلع عن قرب على أنظمة الصرف الصحي المتطورة، واصفًا إياها بأنها تبدأ بأنابيب ومجاري صغيرة تتوسع تدريجيًا تحت الأرض حتى تصل إلى سعة شبيهة بنهر، مع وجود أنظمة متكاملة لحصاد مياه الأمطار.

تحدث المهندس أيضًا عن الدور الكبير الذي لعبته الكفاءات السودانية في بناء مدن الخليج، حيث قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باختيار عدد من المهندسين السودانيين ذوي الخبرات الأوروبية للمساهمة في تأسيس البلديات، ومنهم كمال حمزة أول رئيس لبلدية دبي، والستي بانقا أول رئيس لبلدية أبوظبي، والدكتور البدري عمر مدير دائرة تخطيط المدن بمدينة العين.

وأثناء تواجدي في تركيا عام 2022م، لفت انتباهي النظام المتقدم لحصاد مياه الأمطار والثلوج، ومدى العناية بتجميع هذه الموارد وإدارتها بكفاءة عالية. هذا المشهد أعاد إلى ذهني واقع السودان، حيث تتوافر كميات كبيرة من مياه الأمطار، إلا أن ضعف الخبرات الفنية وقلة البنية التحتية لقياس وضبط الموارد المائية ومحدودية البحث العلمي، تمثل عوائق حقيقية أمام الاستفادة المثلى من هذه النعمة.

وتجدر الإشارة إلى أهمية الاستفادة من التجارب العالمية الرائدة، مثل ما تقوم به الجمعية الأمريكية لأنظمة جمع مياه الأمطار (American Rainwater Catchment Systems Association – ARCSA)، التي تأسست عام 1994م، وتُعنى بوضع المعايير وتطوير البرامج التدريبية في مجال الحصاد المائي، إلى جانب التجارب الآسيوية المتقدمة في سنغافورة والهند، حيث تم تحويل الأمطار الموسمية إلى مصادر استراتيجية مستدامة للمياه.

إن إطلاق خطة وطنية شاملة ومتكاملة ترتكز على حصاد مياه الأمطار والسيول، وتعزيز استخدام تقنياتها الحديثة في الشرب والري التكميلي وتغذية الخزانات الجوفية، يمثل ضرورة ملحة، ليس فقط لتحقيق الأمن المائي، بل لتأسيس قاعدة تنموية اقتصادية بيئية متينة. ويتطلب ذلك استثماراً في البنية التحتية، وتدريب الكفاءات الوطنية، ودعم البحث العلمي التطبيقي، وتبني حلول تتواءم مع التغيرات المناخية ومتطلبات الاستدامة المستقبلية.

إن الاستفادة من كل قطرة مطر تسقط على أرض السودان، وتحويلها إلى ركيزة للحياة والنماء، لم يعد خيارًا بل أصبح واجبًا وطنيًا، ومفتاحًا لتحقيق السيادة المائية والنهضة الاقتصادية.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى