مقالات

الاستراتيجية الزراعية في السودان: الجذور التاريخية والمآلات التنموية

د . محمد صلاح علي الفكي

الاستراتيجية الزراعية في السودان: الجذور التاريخية والمآلات التنموية

> “زرعت الإدارة الإنجليزية المصرية على ضفاف النيل مشروعًا، فهل نعيد نحن زرع الرؤية فيه؟”

في غمرة الحديث عن النهضة الزراعية، كثيرًا ما تُستدعى تجربة مشروع الجزيرة والمناقل، لا بوصفها فقط نموذجًا إنتاجيًا ضخمًا، بل باعتبارها تطبيقًا مبكرًا لاستراتيجية زراعية مروية اتخذت شكل الدولة داخل الدولة، وخلّفت أثرًا عميقًا على البنية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية للسودان.

1. الجغرافيا تُمهّد للاستراتيجية: بين النيلين الأزرق والأبيض

تقع منطقة الجزيرة بين نهرين، وتغطي حوالي خمسة ملايين فدان من السهول الطميية الخصبة، مما جعلها مؤهلة لقيام أضخم مشروع زراعي مروي في أفريقيا وربما في العالم. لم يكن اختيار هذا الموقع مصادفة، بل نتيجة قراءة استراتيجية مبكرة قامت بها الإدارة البريطانية المصرية للمزايا الطبيعية والجيواقتصادية للسودان.

2. بداية الرؤية: الزراعة لخدمة السوق الدولية

بعد دخول السودان تحت الإدارة الإنجليزية المصرية في عام 1898م، بدأ التفكير العملي في استغلال الموارد الزراعية بطريقة تخدم المصالح الاقتصادية آنذاك. فجاءت التجارب الأولية لزراعة القطن بالطلمبات في طيبة وبركات (1911–1912)، لتمهد الطريق لتشييد خزان سنار (1919–1924)، الذي أصبح المحور الفني لاستراتيجية الزراعة المروية الحديثة في البلاد.

كان المشروع في جوهره يهدف إلى إنتاج القطن طويل التيلة لتلبية الطلب الصناعي، لكنه أسّس في ذات الوقت لنمط إنتاج داخلي ضخم فرض تحولات اقتصادية واجتماعية لا تزال ملامحها قائمة حتى اليوم.

3. 1925: ميلاد المشروع وبداية الاستراتيجية الوطنية غير المكتملة

شهد عام 1925م انطلاقة مشروع الجزيرة في شكله المؤسسي بعد إجازة قانون الأراضي الزراعية لعام 1919، والذي أتاح للدولة وضع يدها على الأرض وتقنين استخدامها الزراعي. وُزّعت الأراضي كمزارع صغيرة (حواشات) للمزارعين السودانيين ضمن نظام شراكة ثلاثي بين الحكومة، الشركة الزراعية والمزارع.

هذا النموذج كان في جوهره صيغة مبكرة لاستراتيجية تنمية ريفية مروية تقوم على الري الانسيابي، وتقسيم العمل الزراعي، والتخصص المحصولي.

كما أن هذا النموذج لم يكن مجرد بنية إدارية بل كان بذرة أولى لاستراتيجية تنموية زراعية وطنية، رغم أنها بقيت غير مكتملة بسبب تعارض المصالح الاستعمارية مع أهداف التنمية المحلية المستقلة.

4. من مشروع إلى مؤسسة وطنية: المناقل كتطور استراتيجي

توسعت الاستراتيجية الزراعية المروية بعد اتفاقية مياه النيل 1959، التي رفعت حصة السودان إلى 18.5 مليار م³، ما مهد لإنشاء خزان الروصيرص وامتداد المناقل الذي شكل توأمًا لمشروع الجزيرة. ومن هنا نشأت وحدة إنتاجية استراتيجية كان من المفترض أن تكون قاعدة للنهضة الزراعية المتكاملة في البلاد.

5. مأزق السياسات الزراعية: من التجميد إلى التحرير

رغم أن المشروع أسهم في تحقيق نهضة زراعية مروية فريدة، إلا أنه ظل يعاني من:

تجميد تطور قوى الإنتاج.

إبقاء علاقات إنتاج غير مرنة.

عدم التجديد المؤسسي والإداري.

ثم جاءت فترة سياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة منذ التسعينيات، لتفاقم الأزمة عبر:

انسحاب الدولة من العملية الإنتاجية.

تصاعد تكاليف الإنتاج.

تراجع الخدمات.

عزوف المزارعين عن الأرض.

6. من المرجعيات إلى فجوة التنفيذ

رغم أن الاستراتيجية القومية ربع القرنية 2007–2031م نصّت على تحديث البنية الزراعية وتحسين الإنتاج، إلا أن التنفيذ بقي هشًا، نتيجة لضعف:

الحوكمة المؤسسية.

التمويل المستدام.

رؤية السياسات العامة.

التشريعات المحدثة.

7. مشروع يستحق إعادة التأسيس

لقد بلغ مشروع الجزيرة والمناقل مائة عام، ويستحق اليوم أن يُعاد النظر فيه بوصفه أحد أكبر مختبرات الاستراتيجية الزراعية في إفريقيا.

وما وُثّق من قبل خبراء وإداريين مثل آرثر جيتسكل، عمر الكارب، طه الجاك، يوسف الكارب، حسن مصطفى، الطيب الدابي وغيرهم، يمثل قاعدة معرفية واستراتيجية لإعادة البناء على أسس متكاملة.

8. نحو استراتيجية زراعية سودانية متكاملة

إن تجاوز الأزمة يتطلب:

تحديث منظومة الري والصيانة.

علاقات إنتاج عادلة تُنصف المزارع.

دمج البحث العلمي والتدريب الزراعي.

تحفيز الشباب على العودة إلى الأرض.

رؤية اقتصادية واجتماعية تربط المشروع بالأمن الغذائي الوطني.

> إن مشروع الجزيرة ليس فقط أرشيفًا زراعيًا، بل وثيقة استراتيجية مفتوحة تعكس نجاح الرؤية حين تتكامل مع الإرادة، وتُفشلها إذا انفصلت عن الواقع.

🔁 فليكن إصلاح الجزيرة بوابة لإعادة صياغة الاستراتيجية الزراعية السودانية بمفاهيم جديدة للعدالة والجدوى والكفاءة.

نشأة الاستراتيجية الزراعية في فترة الحكم الإنجليزي (1898–1956):

تُعدّ فترة الحكم الإنجليزي في السودان مرحلة تأسيسية في نشأة الاستراتيجية الزراعية بمفهومها الهيكلي والإداري، رغم أن المصطلح لم يُستخدم حينها بشكل صريح. فقد تبنّى الحكم الإنجليزي المصري سياسات زراعية كانت تهدف إلى توظيف الموارد الطبيعية والبشرية بصورة ممنهجة، تخدم المصالح الاستعمارية من جهة، لكنها – من جهة أخرى – أرست بعض اللبنات التي استفادت منها الدولة الوطنية لاحقًا في تخطيطها الزراعي.

وأبرز ملامح نشأة الاستراتيجية الزراعية في تلك الفترة تشمل:

🔹 إعادة تنظيم العلاقة بين الأرض والمياه:

بدأت التجارب الأولى لزراعة القطن بمضخات الري في طيبة وبركات عام 1911، ثم تبنّت الإدارة البريطانية فكرة إقامة خزان سنار كنواة استراتيجية لاستغلال مياه النيل الأزرق لري سهل الجزيرة، ما يعكس تحولاً من الزراعة المطرية العشوائية إلى الزراعة المروية المنظمة.

🔹 إدخال مفاهيم الإدارة الزراعية الحديثة:

أنشئت الشركة الزراعية عام 1925 لتكون طرفًا فاعلًا في علاقة تعاقدية ثلاثية بين الحكومة والمزارعين والشركة، مما مثّل نمطًا فريدًا آنذاك في إدارة الإنتاج الزراعي، يعتمد على توزيع المسؤوليات وتحديد الحقوق والواجبات بدقة.

🔹 تقنين الحيازات الزراعية (الحواشات):

أُسس نظام توزيع الأراضي بناءً على قانون الأراضي الزراعية لعام 1919، وهو ما شكّل أول محاولة لإدخال تشريعات زراعية منظمة تربط الأرض بالمزارع وتحدد صلاحيات الدولة في الرقابة والإدارة.

🔹 إرساء البنية التحتية للزراعة:

تمثلت الاستراتيجية البريطانية عمليًا في تشييد خزان سنار (اكتمل 1925)، وإنشاء شبكة ري هندسية من القنوات الفرعية والفرعية-الفرعية، إلى جانب إدخال السكة الحديد كوسيلة لربط الإنتاج الزراعي بالميناء والتصدير.

🔹 إدخال مفاهيم اقتصادية زراعية ذات طابع استراتيجي:

كان التركيز على القطن كمحصول نقدي رئيسي يعكس رغبة واضحة في هيكلة الاقتصاد الزراعي لصالح الصادرات، مما تطلب تخطيطًا طويل الأجل وتعبئة للموارد البشرية والفنية، وهي خصائص محورية في أي استراتيجية زراعية.

✳️ نشأة مشروع الجزيرة والمناقل أرست فعليًا التخطيط الزراعي الاستراتيجي في السودان، حيث ظهرت لأول مرة:

علاقة مؤسسية بين الدولة والمزارعين.

بنية تحتية تخدم خطة زراعية متكاملة.

تشريعات منظمة للإنتاج الزراعي.

نظام محاسبي وإداري متطور في إدارة مشروع الجزيرة.

وقد ورثت الدولة الوطنية بعد الاستقلال هذه المرتكزات، لكنها فشلت في كثير من الأحيان في تطويرها ضمن استراتيجية زراعية شاملة وطنية ومستقلة.

نشأة مشروع الجزيرة على أحدث التقانة الزراعية في زمانه وتطور المفهوم الاستراتيجي للزراعة علميًا

لم يكن مشروع الجزيرة مجرد استثمار زراعي ضخم، بل مثّل عند نشأته في عشرينيات القرن العشرين تجسيدًا لأحدث ما وصلت إليه التقانة الزراعية والهندسية عالميًا آنذاك. فقد تمّ تصميم المشروع على أسس علمية وهندسية دقيقة، تناغمت فيها أنظمة الري الانسيابي مع التخطيط الزراعي الموسمي، في إطار رؤية إنتاجية متكاملة.

🔹 الري الانسيابي Gravity Irrigation:

تم اعتماد نظام ريّ يقوم على الانحدار الطبيعي للأرض دون الحاجة لضخ مستمر، وهو أسلوب ري متقدم في زمانه، يقلل التكاليف، ويُحقق انسيابًا فعالًا للمياه، مع بنية تحتية هندسية (قنوات، أبواب، منشآت تحكم) لا تزال تُعد من روائع التخطيط الزراعي.

🔹 التقانة الزراعية الحيوية:

شهد المشروع إدخال تقنيات المعامل الزراعية، وإجراء البحوث التطبيقية في محطات مثل “مدني” و”الحصاحيصا” و”أبودليق”، وهي محطات استهدفت تطوير التقاوى، ومكافحة الآفات، وتحسين الإنتاجية، مما يعكس نواة التأسيس للبحث الزراعي في السودان.

🔹 المكننة والتقنيات المساعدة:

اعتمد المشروع منذ أربعينيات القرن الماضي على إدخال معدات الزراعة الميكانيكية (الحصادات، آلات الرش، المحاريث الآلية)، بما يضعه في مصاف المشاريع الزراعية الحديثة ذات الطابع الصناعي الزراعي.

🔹 التخطيط الزراعي الموسمي:

اعتمد المشروع على “الدورات الزراعية الرباعية”، كمفهوم علمي يهدف إلى الحفاظ على خصوبة التربة، وتوزيع الري بالتساوي، وتقليل الأمراض النباتية، وهو ما يُعدّ مظهرًا لاستراتيجية بيئية واقتصادية في آنٍ واحد.

🔹 التكامل الإداري والعلمي:

كان لمفتشي الغيط – المؤهلين إداريًا وتقنيًا – دور كبير في تطبيق المعايير العلمية على أرض الواقع، ما ساعد على توحيد الرؤية الإنتاجية وتحقيق الفعالية.

✳️ البعد الاستراتيجي العلمي:

هذه الممارسات لم تكن عشوائية، بل جاءت في سياق تحول مفاهيمي نحو الزراعة الاستراتيجية العلمية التي تقوم على:

الإدارة الرشيدة للمياه.

التنبؤ بالمخاطر الزراعية.

تسويق المحاصيل نقديًا وفق خطط تصديرية.

إدماج البحث العلمي في القرار الإنتاجي.

وهكذا، فقد مثّل مشروع الجزيرة نموذجًا مبكرًا لما يُعرف اليوم بـ”الزراعة الذكية Smart Agriculture”، في إطار زمني سابق لعصر الثورة الرقمية.

إخفاقات تحديث الاستراتيجية الزراعية بعد الاستقلال: من التراجع البنيوي إلى غياب الرؤية التكاملية

على الرغم من أن مشروع الجزيرة والمناقل بُني على قاعدة علمية متقدمة ومقاربة استراتيجية في العهد الإنجليزي، إلا أن العقود التي تلت الاستقلال شهدت تراجعًا منهجيًا في تحديث الاستراتيجية الزراعية، وذلك لأسباب متشابكة إدارية وسياسية واقتصادية، يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

🔹 غياب الرؤية التكاملية طويلة المدى:

لم تنجح الحكومات الوطنية المتعاقبة في بلورة استراتيجية زراعية شاملة ومستمرة تعكس التحولات السكانية والتقنية والمناخية، وظلّ المشروع يتخبّط بين محاولات الإصلاح الجزئي والسياسات الطارئة.

🔹 تفكك وحدة اتخاذ القرار وضعف الحوكمة:

تعرضت إدارة المشروع لتجاذبات بين المركز والولايات، وغياب التنسيق بين الجهات ذات الصلة (التمويل، البحوث، الإرشاد، النقل، الأسواق)، مما أضعف فعالية القرار الزراعي.

🔹 إهمال البحث الزراعي التطبيقي:

لم تُواكب محطات البحوث الزراعية (كهيئة البحوث الزراعية بود مدني) التطور العلمي العالمي، بسبب ضعف التمويل وعدم وجود شراكات استراتيجية، مما أدى إلى تراجع تحسين الإنتاجية وتنوع المحاصيل.

🔹 الخصخصة وغياب العدالة الإنتاجية:

أدى تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي ورفع يد الدولة عن الدعم الزراعي، إلى تحميل المزارع البسيط أعباء مالية ضخمة، في ظل غياب آليات تمويل ملائمة وغياب الدولة عن توفير المدخلات الحيوية بأسعار عادلة.

🔹 تدهور البنية التحتية وتآكل منظومة الري:

لم تتم صيانة قنوات الري الرئيسية والفرعية، مما تسبب في اختلالات جسيمة في توزيع المياه، وتدهور المساحات المزروعة فعليًا مقارنة بالمساحات المخططة.

🔹 تجاهل التغير المناخي والحوكمة البيئية:

لم تُدمج قضايا المناخ والتصحر والملوحة ومياه الصرف الزراعي في قلب التخطيط الاستراتيجي للمشروع، ما جعله أكثر هشاشة أمام المتغيرات البيئية الإقليمية والعالمية.

🔹 تفريغ البنية الاجتماعية من التنظيمات المنتجة ( المزارعين) .

🔁 النتيجة: تحول المشروع من نموذج إقليمي رائد إلى عبء تنموي، نتيجة لفجوة التنفيذ، وغياب الاستراتيجية المتكاملة، وعدم الاستثمار في البحث العلمي، وتفكك العلاقة بين الأرض، والمزارع، والإدارة، والدولة.

👈 لذا فإن إحياء المشروع اليوم يتطلب بناء استراتيجية زراعية علمية جديدة تستند إلى:

حوكمة مؤسسية رشيدة.

دعم تقني وتمويلي متكامل.

شراكات بحثية وإقليمية.

مشاركة فعالة من المنتجين الحقيقيين.

🔹 تفريغ البنية الاجتماعية من التنظيمات المنتجة:

تراجعت التنظيمات النقابية والمهنية للمزارعين التي كانت تؤدي دورًا مهمًا في صياغة السياسات والرقابة عليها، وغاب تمثيل المنتجين في مراكز القرار، ما أدى إلى تهميش صوتهم وضعف مساهمتهم في رسم الاستراتيجيات الزراعية على أسس تشاركية ، وهو ما يستدعي اليوم إعادة تفعيل دور المزارع كمنتِج وشريك في القرار، لا كعنصر منفّذ فقط.

وفي هذا السياق، كانت لي جلسات معرفية غنية بالمضمون العلمي مع المهندس جلال الدين محمود يوسف، الأمين الأسبق لمشروع الجزيرة والمناقل في منزله بحي الرياض – الخرطوم، وكذلك في كلية علوم البيان عام 2020 م، حيث حدثني بتفصيل عن المشروع وعن محصول اللوبيا، من حيث فوائده الغذائية والعلاجية، وأهميته في الدورة الزراعية، ودوره في تثبيت النيتروجين في التربة، ما يسهم في تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، ويدعم مبدأ الاستدامة الزراعية. وقد مثلت تلك الجلسات نموذجًا للتراكم المعرفي الحي الذي يُفترض أن تنتقل به الخبرات من جيل إلى جيل، لا سيما في ظل غياب التوثيق المؤسسي للمعارف الزراعية المحلية.

✳️ فإن مشروع الجزيرة والمناقل – رغم عثراته – لا يزال يحتفظ بموقعه التاريخي والعلمي كأكبر حاضنة لتجريب وتطوير الاستراتيجية الزراعية في السودان.

إن إعادة تأسيسه اليوم لا تعني العودة للماضي، بل استلهام دروسه لبناء نموذج زراعة ذكية مستدامة، تعتمد على حوكمة مؤسسية، وعدالة إنتاجية، واستقلالية بحثية، وإرادة وطنية واعية.

فكما زرعت الإدارة الاستعمارية مشروعًا على ضفاف النيل لمصالحها، فإننا اليوم مدعوون لزرع الرؤية فيه من جديد، لصالح السودان وأجياله القادمة.

In the Name of Allah, the Most Gracious, the Most Merciful

🌾 Agricultural Strategy in Sudan: Historical Roots and Developmental Outcomes

Dr. Mohamed Salah Ali El-Faki – July 8, 2025

> “The Anglo‑Egyptian administration planted a project on the Nile’s banks—shall we plant the vision anew?”

Amid discussions of agricultural renaissance, the Gezira‑Managil Scheme emerges not merely as a large-scale production model but as an early embodiment of an irrigated agricultural strategy—indeed a “state within a state”—leaving a deep imprint on Sudan’s economic, social, and administrative fabric.

1. Geography Sets the Stage: Between the Blue and White Niles

Spanning about five million feddans of fertile alluvial plains, Gezira stands as one of the world’s largest irrigated agricultural zones—a choice guided by strategic considerations of natural and geo-economic potential by the Anglo-Egyptian administration.

2. Emergence of the Vision: Serving International Markets

Following Sudan’s inclusion under Anglo‑Egyptian rule in 1898, practical efforts to exploit agricultural resources began. Initial cotton planting using pumps in Taybah and Barkat (1911–1912) led to constructing the Sinnar Dam (1919–1924), the cornerstone of modern irrigation in Gezira. While centered on long-staple cotton for export, these efforts also laid down the foundations of a vast domestic agricultural system with lasting socioeconomic effects.

3. 1925: Institutional Launch and Early National Strategy

The Gezira Scheme formally commenced in 1925, following the 1919 Land Act enabling state regulation and allocation of land. Farmers were given small plots (hawashat) under a tripartite agreement among the government, the agricultural company, and the farmers—a pioneering model of a national irrigated rural development strategy built on gravity irrigation, labor division, and crop specialization.

This model represented the seed of a national agricultural strategy, even if incomplete due to colonial priorities conflicting with local development objectives.

4. From Project to National Institution: The Managil Extension

The 1959 Nile Water Agreement granted Sudan 18.5 billion m³ of water, enabling the construction of Rosieres Dam and the Managil extension. These initiatives created a unified agricultural production entity with significant potential to support national development.

5. The Policy Crisis: From Strategic Planning to Market Liberalization

Although the scheme fostered a distinct irrigated agriculture boom, it soon faced structural challenges:

Frozen production capacities;

Rigid production relations;

Institutional stagnation.

Liberalization and privatization in the 1990s exacerbated these features through:

State withdrawal from production;

Rising production costs;

Service decline;

Farmer exodus.

6. From Strategy to Execution Gap

While the 2007–2031 national strategy called for modernization, weak governance, unsustained financing, fragmented policy vision, and outdated legislation prevented its realization.

7. A Century‑Old Project Worth Rejuvenating

At its centenary, the Gezira‑Managil Scheme remains among Africa’s prominent agricultural strategy laboratories. Works by leading scholars and administrators offer a robust foundation for restoration.

8. Toward an Integrated Sudanese Agricultural Strategy

Overcoming current challenges demands:

Modern irrigation and maintenance systems;

Fair production agreements;

Integration of research and training;

Youth incentives for agricultural engagement;

A socio‑economic strategy aligning with food security.

> “The Gezira Scheme is not merely an agricultural archive—it’s a strategic dossier that succeeds when vision and will align, and falters when disconnected from reality.”

🔁 Let this reform be a gateway to reconstructing Sudan’s agricultural strategy, grounded in justice, rationality, and efficiency.

Origins of Agricultural Strategy during the Anglo‑Egyptian Period (1898–1956)

This era laid the foundations of agricultural strategy through policies managing land, water, and human resources with precision—serving colonial aims but unintentionally preparing strategic instruments for independent governance.

Key elements:

Organized land‑water management;

Modern administrative systems via the 1925 agricultural company;

Land regulation through the 1919 Land Act;

Infrastructure linking production with markets;

Strategic focus on cotton consolidation.

Takeaway: These efforts make up Sudan’s first structured agricultural planning framework, later only partially expanded by the independent state.

Adoption of Cutting‑Edge Agricultural Technology and Strategic Evolution

During the 1920s, the Gezira reflected leading global agricultural technologies:

Gravity-fed irrigation;

Research stations;

Mechanization in the 1940s;

Crop rotation cycles;

Scientific integration within administration.

Conclusion: Gezira represented an early model of smart agriculture, integrating efficient resource use, risk planning, market alignment, and scientific control ahead of the digital era.

Post‑Independence Failures in Strategy Modernization

Despite its scientific origins, the scheme declined due to:

Lack of long-term strategic vision;

Fragmented governance;

Declining research;

Privatization misalignment;

Infrastructure decay;

Environmental neglect.

Outcome: From pioneering solution to developmental liability due to strategic derailment.

Knowledge Transfer through Local Insight

In 2020, I had enriching conversations with Eng. Jalaluddin Mahmoud Yusuf—former Gezira‑Managil official—who explained cowpea’s nutritional, medicinal values and its role in nitrogen fixation, showcasing valuable indigenous agro‑ecological knowledge seldom institutionalized.

🟢 Conclusion

Despite its setbacks, Gezira remains Sudan’s key hub for agricultural innovation. Its renaissance today calls not for nostalgia but strategic reinvention—fusing smart sustainable farming with accountable governance, equity, scientific autonomy, and national commitment.

> “Just as a colonial project was planted on the Nile for foreign gain, we are now called to plant a vision anew for Sudan and future generations.”

🇹🇷 Türkçe Çeviri

Rahmân ve Rahîm olan Allah’ın adıyla

🌾 Sudan’da Tarım Stratejisi: Tarihî Kökler ve Kalkınma Sonuçları

Dr. Mohamed Salah Ali El-Faki – 8 Temmuz 2025

> “Anglo‑Mısır yönetimi Nil kıyısına bir proje dikti—şimdi biz bu vizyonu yeniden dikecek miyiz?”

Tarım alanındaki yenilenme tartışmalarında Gezira‑Managil Projesi, sadece büyük bir üretim modeli değil; aynı zamanda sulamalı tarım stratejisinin erken bir tezahürüdür—adeta “devlet içinde devlet”—ve Sudan’ın ekonomik, sosyal ve idari dokusu üzerinde derin etkiler bırakmıştır.

1. Coğrafya ve Yüzyılın Stratejisi: Mavi ve Beyaz Nil Arasında

Gezira, yaklaşık beş milyon feddan verimli alüvyon ovasına yayılmıştır; bu, Afrika’nın ve belki dünyanın en büyük sulamalı tarım projelerinden biridir. Seçimin arkasında İngiliz‑Mısır yönetiminin doğal ve jeoekonomik avantajlara dair stratejik öngörüsü vardır.

2. Uluslararası Pazarlara Hizmet Eden Tarım

1898’de Sudan’ın İngiliz‑Mısır yönetimine dahil edilmesiyle birlikte tarımsal kaynakların ekonomik amaçla kullanılmasına dair çalışmalar başladı. Taybah ve Barkat’ta 1911–1912 yıllarında pompalı pamuk ekimi, 1919–1924 yıllarında Sinnar Barajı’nın inşasını hazırladı. Bu çalışmalar yalnızca uzun elyaflı pamuğun ihracatını hedeflemekle kalmadı; aynı zamanda kalıcı sosyo‑ekonomik etkilerle geniş alanlı bir yerel tarım sistemine zemin hazırladı.

3. 1925: Kurumsal Lansman ve Ulusal Strateji

Gezira Projesi, 1919 Arazi Yasası ile birlikte 1925’te resmî olarak başlatıldı. Çiftçilere küçük parseller (“hawashat”) üçlü anlaşma modeli ile devlet, tarım şirketi ve çiftçi arasında dağıtıldı. Bu model, yerçekimi sulaması, iş bölümü ve ürün uzmanlığı üzerine kurulu ulusal sulamalı kırsal kalkınma stratejisinin ilk örneğiydi. Bu, bağımsız kalkınma hedefleriyle çatışan sömürgeci önceliklere rağmen ulusal tarım stratejisinin tohumu oldu.

4. Projeden Ulusal Kuruma: Managil Uzantısı

1959 Nil Su Anlaşması, Sudan’a 18.5 milyar m³ su hakkı sağladı. Bu imkân sayesinde Rosieres Barajı ve Managil uzantısı hayata geçirildi. Bu adımlar, uluslararası düzeyde güç taşıyabilecek tarımsal üretim birimlerini oluşturdu.

5. Politik Kriz: Stratejik Planlamadan Piyasa Serbestliğine

Sulamalı tarımda özgün bir atılım yaşansa da projede yapısal sorunlar ortaya çıktı:

Sabit üretim kapasitesi;

Sıkıcı üretim ilişkileri;

Kurumsal durgunluk.

1990’larda yürürlüğe giren serbestleşme ve özelleştirme politikaları, bu sorunları derinleştirdi:

Devletin üretimden çekilmesi;

Üretim maliyetlerinin fırlaması;

Hizmetlerde bozulma;

Çiftliğin terk edilmesi.

6. Stratejiden Uygulamaya Geçişte Kopukluk

2007‑2031 ulusal stratejisi modernleşmeyi öngörse de zayıf yönetişim, sürdürülemez finansman, parça parça politik vizyon ve eski yasalar nedeniyle bu hedefler hayata geçirilemedi.

7. Yüzüncü Yaşına Giren Bir Projeyi Yaşatmak

Yüzyılı aşkın bir süredir Gezira-ManaGil Projesi, Afrika’nın en önemli tarım strateji laboratuvarlarından biridir. Önde gelen düşünür ve yöneticilerin çalışmaları, kapsamlı bir restorasyon programı için sağlam bir zemin sunmaktadır.

8. Entegre Sudan Tarım Stratejisine Doğru

Mevcut sorunları aşmak için:

Modern sulama ve bakım sistemleri;

Adaletli üretim anlaşmaları;

Eğitim‑araştırma entegrasyonu;

Gençlerin tarıma dönmesi teşvik edilmesi;

Gıda güvenliğini hedefleyen sosyo‑ekonomik bir strateji gerekir.

> “Gezira Projesi yalnızca bir tarım arşivi değil—vizyon ve iradenin uyumlandığı bir stratejik dosyadır; gerçeklerle koparsa başarısız olur.”

🔁 Bu reform, Sudan’ın tarım stratejisini yeniden inşa etmenin kapısıdır—adalet, akıl ve verim temelinde.

يقين برس

صحيفة الكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى