
جيش السودان.. ملاحم بطولية يخلدها التاريخ
لم أشك في يومٍ من الأيام أن النصر آتٍ لا محالة، ولو بعد حين، وأن الجيش السوداني العريق الذي تمتد عراقته لنحو مائة عام، سينتصر على مليشيا الدعم السريع”الصريع”، التي لا يتجاوز تكوينها بضع سنوات قليلة، علاوة على أن معظم مكوناتها مرتزقة وقطاع طرق، وأجانب، حيث بدأت حاليا تتهاوى وتنهار وتلفظ أنفاسها الأخيرة، أما تقدم جيشنا الباسل بخطوات واثقة وهو يكنس دنس ووسخ المليشيا.
عندما اندلعت الحرب بين طرفي النزاع في 15 أبريل 2023، كنت حينها في إجازتي السنوية بالسودان وتحديدا بالخرطوم، حيث تنقلت خلال إجازتي ما بين الخرطوم ومدني، والقضارف، ثم بورتسودان، ثم العودة لديار الغربة، وقد كان مقررا أن أقضي نحو 45 يوما، ولكن إجازتي امتدت لنحو أربعة أشهر، شهدت خلالها، ملاحم بطولية سطرها جيشنا السوداني الباسل، خاصة ملاحم المدرعات، التي تبعد عن حارتنا نحو بضع عشرات من الأمتار.
ملاحم بطولية وشهداء:
لقد سطر أبطال المدرعات، أبرزهم القائد والشهيد البطل/الفريق أول ركن أيوب محمد عبدالقادر-رحمه الله، واللواء الركن الدكتور نصر الدين عبد الفتاح، قائد سلاح المدرعات، ملاحم بطولية حصدوا خلالها الآلاف من رعاع ومرتزقة مليشيا الدعم السريع، أو ” الصريع”، وكنا حينها نسمع أزيز الرصاص ودوي المدافع وكأنه أمام بوابة المنزل، كنا نصحو وننام على هذه الأصوات، بل كنا نخرج لنرى كيف أن رعاع ومرتزقة الدعم يفرون من أمام أبطال المدرعات ليندسوا في منازل المواطنين، وفرارهم هذا كان يذكرني بأطفال المدارس الابتدائية، عندما كان المعلم يقول لهم: بيوت.. بيوت، لينتشروا، بل يهرولوا بين الشوارع والأزقة، كأنهم يفرون من قسورة(أسد).
كان أبطال القوات المسلحة عند الموعد، فمنهم من مات شهيدا ومنهم من طلب الشهادة ولم يدركها، يساندهم في بطولاتهم وانتصاراتهم الباهرة التي مازالوا يحققونها، كل من المستنفرين و”البراؤون”، والقوات المشتركة وقوات درع السودان وغيرهم، من أبطال السودان، ليثبتوا أن مدن وقرى السودان الآمنة ستظل عصية على مرتزقة المليشيا، فالجيش السوداني الذي تأسست نواته الأولى قبل نحو مائة عام، وتحديدا في عام 1925، حيث كان آنذاك يسمّى بـ”قوة دفاع السودان”، لن تهزمه مليشيا لم يمر على تكوينها عدة سنوات قليلة.
المليشيا وأطفال المدارس:
أكثر ما كان يشعرني بالحزن والأسى في الأسابيع الأولى عند اندلاع الحرب التي شهدتها بأم عيني، عندما كانت آنذاك المليشيا منتشرة في العاصمة الخرطوم مثل انتشار أطفال المدارس، أكثر ما كان يحزنني قيام أطفال ومرتزقة المليشيا الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والسادسة عشر، بسد الطرقات الرئيسية والفرعية في الخرطوم ليوقفوا العربات الخاصة والحافلات، باحثين عما يسمونهم “فلول”، من أفراد الجيش، أو المواطنين، وكان يعتقلون (شهدت ذلك بعين)، كل من يشكّون بأنه ينتمي للقوات المسلحة، أو المستنفرين، ليقوموا بضربه واعتقاله، دون أدنى دليل، إلى جانب ذلك كانوا يركزون على العربات العائلية الفخمة، والبكاسي، لينزلوا ملاكها ويقومون بكل وقاحة بأخذها بقوة السلاح، في عمل جبان ضد مواطنين عزّل.
المليشيا وستات الشاي:
لقد تجولت آنذاك بعدد من الأسواق مرتديا الجلابية وأخفي جوالي الذي به مقاطع بطولية لقواتنا الباسلة، كنت أرى انتشار أطفال المدارس، أقصد مرتزقة المليشيا، بملابسهم المتسخة التي تزكم الأنوف، وهم يجلسون حول ستات الشاي، حاملين أسلحتهم، ويرشفون القهوة والشاي بالمجان، ويأخذون من “الجزارات” المنتشرة بالأسوق، اللحوم الطازجة، ثم يعطونها لستات الشاي وبائعات الوجبات، طالبين منهن “طهيها شية”، ليلتهموها بكل شراسة، مثل الكلاب الضالة في صورة مقززة، فيما ينظر إليهم أصحاب الجزارات المغلوبين على أمرهم بعينون تتساءل هل ستعطوننا ثمن اللحمة؟، أم لا؟ فأحيانا يعطونهم وأحيانا، يتجاهلونهم عمدا.
وها نحن من على البعد، نسمع ونشاهد، بكل فخر واعتزاز، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، انتصارات جيشنا الباسل ومن خلفه أبطال المستنفرين و”البراؤون”، والقوات المشتركة وقوات درع السودان وغيرهم، خاصة ملاحم بابنوسة (قيادة الفرقة 22)، وقبلها ملحمة الصالحة بالخرطوم التي شهدت طرد مرتزقة المليشيا من آخر معاقلهم التي كانوا يظنونها عصية على أبطال قواتنا المسلحة، التي اغتنمت أعدادا هائلة من الأسلحة والآليات القتالية، والمسيرات التي تقدر بملايين الدولارات.
لا للابتزاز:
وكلمة أخيرة لابد من قولها، وهي أن زمن الابتزاز والتهديد بالكفاح المسلح، قد انتهى، فالآن كل السودان به حركات مسلحة، بشمال ووسط وجنوب وشرق السودان، بالإضافة إلى المستنفرين.. وحتى أن عددا كبيرا من المواطنين أصبحوا يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم، ولن يسمح الشعب السودان، بأن يتولى شخص ما، منصبا وزاريا، أو قياديا بالدولة، وكل مؤهلاته أنه ينتمي إلى الحزب الفلاني، أو الحركة المسلحة الفلانية، أو القبيلة الفلانية، دون أن تكون لديه أي مؤهلات أكاديمية، أو علمية.
الجيش جيش الوطن:
المناصب القيادية في الدولة، يجب أن يتقلدها من هو أكفأ، ومن يحمل مؤهلات عليا، ليس وفقا لانتمائه لحزب، أو قبلة، أو طائفة، أو حركة مسلحة، كفاءتك هي التي تؤهلك لتولي المنصب القيادي بالدولة، وذلك من أجل خدمة المواطن، والوطن، وليس لخدمة قبيلة معينة، أو حزب معين، أو حركة مسلحة معينة.
أما من يقول إن الحركة الفلانية، أو الحزب الفلاني، أو المكون الفلاني وقف مع الجيش في قتاله تجاه مليشيا التمرد، نقول لهؤلاء إنكم وقفتم مع الوطن، وأن كل الشعب السوداني وقف مع جيشه ووطنه، والجيش جيش الوطن، لذلك لا تنتظر مكافأة نسبة لوقوفك مع وطنك وجيشك.
“تأسيس” والعمالة:
حقيقة، لن ينسى كل فرد من أبناء الشعب السوداني البطولات والتضحيات التي قدمها جيش السودان الذي يقف خلفه، الشعب السوداني الصابر مساندا ومؤآزرا، حتى يتحقق النصر الشامل والكامل، في كل ربوع السودان، شماله وجنوبه، وشرقه وغربه ووسطه، لتغسل مياه النيلين دنس ووسخ أفراد مليشيا الدعم ” الصريع”، أما عملاء ما يسمى “بحكومة تأسيس” المشردين ببعض دول الجوار، والذين يحلمون بحكم السودان من على البعد”ريمون كنترول”، نقول لهم إنه لأمر مثير للسخرية والضحك، فإن كنتم رجالا، تعالوا لتعلنوا تشكيل حكومتكم من داخل السودان، ومن داخل القصر الجمهوري بالخرطوم، كما زعمتم سابقا، وليس من خارج السودان.
من جهة أخرى، فإن اختيار رئيس الوزراء كامل أدريس للفريق حسن داوود كبرون وزيرا للدفاع(أحد الكوادر الوطنية من أبناء كردفان)، يعتبر اختيارا موفقا، حيث يعتبر وزير الدفاع الجديد أحد أبطال معركة الكرمة ضد مليشيا التمرد، خاصة معركة الدفاع عن القيادة العامة، حيث لعب دورا كبيرا في فك حصارها.
تكتيك عالي للجيش:
ختاما، التحية والتقدير لقواتنا المسلحة، والذين يقفون خلفها من مختلف الفئات المقاتلة، سيسجل التاريخ بمداد من ذهب، وبدماء الشهداء، بطولات أكد خلالها جيشنا الباسل، أنه واحد من أفضل الجيوش، في العالم، وأنه لفخر للشعب السوداني أن يكون له جيش بهذه الوطنية، وبالمستوى الاحترافي على أعلى درجات الاحترافية والتكتيك القتالي، غدا يعود السودان أفضل مما كان، حفظ الله بلادنا وشعبها.