
كامل إدريس: بين طموحات النهوض وتضاريس الأزمة السودانية
في ظل واقع سوداني معقد ومضطرب، برز اسم الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، محاطًا بآمال الداخل وضغوط الخارج. رجل القانون والملكية الفكرية يجد نفسه اليوم أمام معادلة شديدة التعقيد: دولة ممزقة، اقتصاد يحتضر، أمن غائب، وعقوبات دولية تعصف بما تبقى من شرعية حكومية، في وقت تتصاعد فيه نيران الحرب في كل الاتجاهات.
فرص النجاح: بين الكفاءة الشخصية والشرعية المبتغاة
لا يُشك أحد في كفاءة الدكتور كامل إدريس الأكاديمية وخبراته الدولية، لكن النجاح السياسي في المشهد السوداني الراهن لا يُبنى فقط على المؤهلات. نجاحه مرهونٌ أولاً بقدرته على بناء شرعية مقبولة شعبيًا ودوليًا، وثانيًا على مدى استعداده لكسر الجمود داخل مؤسسات الدولة المنقسمة، وثالثًا بمدى استيعابه للواقع العسكري الذي بات اللاعب الأبرز في إدارة الدولة السودانية.
فرصته الكبرى تكمن في كونه شخصية غير متورطة في صراعات ما قبل الحرب، ما يمنحه هامشًا نسبيًا من الحياد يمكن استثماره لخلق جسور تفاهم بين المدنيين والعسكريين، وبين المكونات الإثنية والجهوية المتناحرة. كما أن علاقاته الدولية قد تتيح له نافذة لفتح قنوات مع بعض الأطراف الغربية الحذرة.
التحديات: صراع البقاء وسط الرماد
لكن الواقع أكثر سوداوية مما يبدو. فالحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما تزال مستعرة، وتشكل العقبة الأولى أمام أي استقرار سياسي. هذا إلى جانب الانقسام الحاد داخل الأجهزة العسكرية والأمنية، وتعدد التيارات المتناحرة داخل المؤسسة الحاكمة نفسها، ما يجعل من مهمة رئيس الوزراء أقرب إلى السير على حقل ألغام.
وفي السياق ذاته، يواجه إدريس عقوبات دولية متزايدة، كان آخرها فرض إجراءات على حكومة بورتسودان إثر تقارير عن استخدام أسلحة كيميائية في الحرب. هذه العقوبات تُضعف قدرة الحكومة على التحرك دوليًا وتحدّ من تدفق الدعم الإنساني والمالي.
كما أن الملفات الإنسانية تشهد تدهورًا كارثيًا، مع تفشي الأمراض، انهيار النظام الصحي، ونقص الغذاء والماء في مناطق النزاع. هذه الظروف تفرض على الحكومة أولوية مطلقة لإغاثة السكان، وهو أمر يتطلب موارد لا تملكها السلطة ولا تستطيع الوصول إليها بسهولة في ظل الحصار الدولي وتفكك الدولة.
تحالفات الأمر الواقع: سيف ذو حدين
تعتمد الحكومة حاليًا على تحالفات الأمر الواقع مع فصائل محلية وقوى قبلية وإقليمية مسلحة، وهي تحالفات ضرورية لحفظ السيطرة على بعض المناطق، لكنها هشة وقد تنقلب في أي لحظة، خاصة مع تصاعد حالة الشك داخل المؤسسة العسكرية من وجود اختراقات داخلية أو تفاهمات جانبية مع خصوم الأمس.
هذا المناخ يفرز بيئة سياسية مغلقة أمام أي مشروع إصلاحي حقيقي، ويجعل من أجندة الإصلاح والتغيير التي يطرحها إدريس مجرد شعارات تصطدم بجدران الواقع المتشظي.
ختامًا: هل من أمل؟
فرص د. كامل إدريس في النجاح ضئيلة إذا ما تم تقييمها بمعايير الاستقرار الكلاسيكي، لكنها ليست معدومة. نجاحه مرتبط بقدرته على هندسة خريطة طريق واقعية تبدأ بوقف الحرب، مرورًا بترتيب البيت الحكومي من الداخل، وانتهاءً بفتح نوافذ دولية جديدة تعيد السودان إلى خارطة الاهتمام الإنساني والدبلوماسي.
لكن قبل كل ذلك، عليه أن يحسم موقفه: هل سيكون رئيس حكومة تصريف أعمال أم زعيم مرحلة انتقالية؟ وهل سيقبل بلعب دور رجل التوازنات أم سيغامر بمحاولة تفكيك منظومة المصالح التي أوصلته إلى السلطة؟ الأيام القادمة ستجيب.