وما الديار الا وأهلها قد حلوها وبعد بلاقع حين تزور متحف السكة حديد عطبرة
بقلم : عبدالرحمن الأمين
وما الديار الا وأهلها قد حلوها وبعد بلاقع
حين تزور متحف السكة حديد عطبرة
وتتبع تاريخها وملاحم بنائها وكيف استطاعت الطبقة العمالية العاملة بها ان تجعل منها منارة وقادتها إدارات مقتدرة جعلتها مفخرة بين العالمين. ثم دار الزمان دورته واقعدتها مقعدات واعجزتها معجزات.
حين زرنا ورشها التي كانت يوما ما ضاجة بالحياة وصاخبة بالصافرات وعامرة بالقاطرات والمقطورات. وجدناها وقد اقفرت من الحياة وفارقت الحياة محياها واختفى صخبها وغاب العمال عنها الا قليلا منهم بثونا شكواهم وضنك حياتهم وبؤس مرتباتهم وكيف ان السكة حديد لم تعد جاذبة لأحد ليعمل بها.
ومن بعد زرنا محطة السكة حديد عطبرة التي كانت محطة رئيسية وعمودا فقريا وابصرنا ابصار العين غياب الحياة عنها وتوقف حركة القطارات بها. ناظر المحطة ومعاونوه كاد الدمع ان يطفر من أعينهم ان لم يكن قد طفر فعلا. لم نصدق ان ان المرتبات تتراوح بين 40 ألف جنيه ومادون ذلك ولا تتجاوز سقف 90 ألف جنيه.
اليوم جلسنا إلى مدير هيئة سكك حديد السودان موسى القوم جهدي لم يفارقه الأمل في ان السكة حديد
بوسعها ان تستعيد بريقها وعزا الشلل الذي تعيشه السكة حديد حاليا بسبب الحرب التي حرمتها من تنمية ايراداتها وتعظيم عائداتها حيث كانت فيما مضى تحصل على عائدات ترحيل الأسمنت إلى العاصمة (الخرطوم) وحرمت كذلك من إيرادات ترحيل الفيرنس من بورتسودان إلى الخرطوم لصالح الهيئة القومية للكهرباء. كما حرمت السكة حديد من عائدات تسيير قطارات إلى الخرطوم وبورتسودان ووادي حلفا. وان كل الذي تعتمد عليه السكة حديد حاليا هو ايجارات العقارات المقامة على أرضها وفي واجهاتها. وهي لا تفي الا بنزر يسير يمكن الإدارة من منح العاملين حافز لا يتجاوز 25 ألف جنيه.
اعترف المدير في شجاعة نادرة يحسد عليها انه في ظل الحرب الحالية اضطرت الإدارة ان تمنح العاملين عطلات وان تعمل بنظام الورديات. لانه لم يعد هناك من عمل يؤديه العاملون وان المطلوب يمكن أن يسيره القليل من العاملين. ولك أن تتخيل مأساة السكة حديد اذا علمت انه من بين 6 ألف عامل يباشر العمل فقط 2500 عامل. حيث شردت الحرب غالبهم وحبست عن العمل عدد غير قليل منهم.
اعترف المدير ان المرتبات لم تعد تفي بمتطلبات العيش وان السكة حديد ليس بوسعها منح العاملين حافزا أكبر مما هو ممنوح حاليا. أعلن تعاطفه وتضامنه مع العاملين وانه مع كل مسعى من جانب العاملين لتحسين اوضاعهم والابقاء
عليهم ووقف النزف المستمر والعزوف عن السكة حديد والعمل بها.