دراسات

الاستراتيجية الاعلامية  لإدارة عمليات الحرب النفسية

 بقلم : عميد(متقاعد) دكتور عبد العظيم نورالدين الحسن

الاستراتيجية الاعلامية

 لإدارة عمليات الحرب النفسية

عميد(متقاعد) دكتور عبد العظيم نورالدين الحس

لا يوجد تعريف محدد للحرب النفسية فهي مرتبطة بالعلوم النفسية والاجتماعية والإعلامية وظهرت نتيجة ثمار الوعي النفسي والتطبيق العملي للعلوم النفسية الحديثة. وعلى الرغم بانها ليست كالحروب المعروفة فإنها لا تقل ضراوة وفتكا عن الحروب العسكرية، فسلاحها الكلمة والصورة وهدفها تغيير السلوك نحو الهدف والمقصد الذي توجه إليه الحرب النفسية. وتستخدم وتنتشر في وقت الأزمات الاجتماعية والوطنية. ولذلك فان زمن الحرب هو الانسب للإشاعات ونشرها حيث يكون الأفراد في حالة استعداد نفسي لتصديق كثير من الأخبار والأقاويل التي يسمعونها نظرا لحاله التوتر النفسي الذي يعيشونه.

وتاريخياً استخدمت الحرب النفسية في الحروب القديمة وعلى مر العصور وكانت كآتي:

استخدمها (كورش الكبير) ضد بابل (وزراك سيس) ضد الاغريق وفيليب الثاني المقدوني ضد أثينا.

استخدمتها حضارة وادي الرافدين حيث استعمل قادتهم كل ما بوسعهم لإشاعة الأمن والرخاء في الامبراطورية المترامية الاطراف وكانوا يدفعون خصومهم على للاستسلام.

التتار كانوا يقومون بالأعمال الوحشية في المناطق التي يستولون عليها لمجرد القتل أو السلب أو الحرق خاصة أنهم ليست لديهم عداوة سابقة مع أولئك المواطنين وإنما رغبة في تخويفهم واخضاعهم. وقد لجأ جنكيز خان إلى ارسال الجواسيس لبث الرعب في نفوس الأعداء من خلال التهويل واطلاق الشائعات ومحاولة اضعاف معنويات المقاتلين.

استخدم نابليون الحرب النفسية عبر المنشور الذي وزعه قبل نزوله إلى الشواطئ المصرية الذي يطلب فيه التسليم وعدم المقاومة حتى لا يتعرض الأهالي للهلاك.

استسلمت الدنمارك والنرويج وهولندا نسبة للدعاية التي استخدمها هتلر من خلال وسائل الإعلام الألمانية.

بثت بريطانيا نشرات تم إلقاءها من خلال الطائرات على الدول الأعداء كما قامت بكتابة الشعارات العدوانية على الجدران قبل اختراع المذياع وقد ساعد على ذلك وضع جواسيس وعملاء داخل تلك البلاد.

كما استخدمها خالد بن الوليد في حربه ضد الروم.

الاعلام في الحرب النفسية

لما كان الاعلام مؤثراً في كل مراحل البشرية وتطورها ومؤملا فيه كعامل حيوي لإطفاء الحرائق وادارة الأزمات بالحكمة وحفيظاً على تراث الأمم وحضاراتها كأهم وظائفه، الاّ أنه ظل بالمقابل يستخدم كأداة ووسيلة لتأجيج الصراعات واحداث الأزمات والكوارث وهدم القيم والأخلاق.

فقد شب الأعلام وهو حامل وحاضن مكونات المعرفة من خلال وسائله المتعددة والمتطورة دوماً ليتداخل في كل مفاصل ومقومات الحياة. وأصبح من يملك المعلومة وله القدرة على انتاجها وبثها يستطيع أن يسيطر على عالم المعرفة، هذا بل يستطيع أن يطوع ذلك لخدمة أهدافه في كل مجالات الحياة .

وقد ظلت علاقة الاعلام بالحروب والكوارث التي شهدتها البشرية في جميع مراحلها – في كثير من الأحيان – علاقة تلازمية فقد ساهمت الاذاعة بشكل فعال في الحربين العالميتين الأولى والثانية ببث الأخبار والدعاية فأنتجت بذلك تلك الوظيفة التي صارت من الوظائف الأساسية للإعلام دارت حولها البحوث الأكاديمية والممارسات العملية، وساعدت كاطار نظري في تأطير كثير من نظريات الاتصال وعاملاً للتحدي والبناء. وبهذا تنوعت وظائف الاعلام فصار يلعب دوراً في عمليات الحرب النفسية والحرب النفسية المضادة التي أضحت هدفاً اصيلاً من أهداف الإعلام . ويظل الهاجس الأمني هو أكبر ما يؤرق بال المجتمعات أفراداً جماعات. خاصة وقد شهد العالم منذ دخوله لهذه الألفية – التي نعيشها – تحولات عدة في المفاهيم والممارسة وظهرت مفاهيم الأمن القومي بشموله لكل مفاصل الدولة الحديثة. فظهر تبعاً لذلك الأمن العسكري والأمن السياسي والأمن الاقتصادي والأمن الغذائي . والأمن الفكري كما ظهرت اثر ذلك مسميات الارهاب الفكري والارهاب الاعلامي. وأصبحت وسائل الإعلام أهم المصادر البارزة لصناعة وتشكيل الوعي ومصدر مهم للأحداث والوقائع السياسية والاقتصادية والعسكرية. أضحت العمليات النفسية جزء لا يتجزأ من العمليات الاعلامية الحديثة في كل المستويات والأهداف. ومن وذلك شن الحملات النفسية والحملات النفسية المضادة بين الاطراف المتحاربة .

وبهذا فقد أضافت معظم وزارات الدفاع أقسام متخصصة بحروب المعلومات بهدف نشر الأخبار المضادة ومواجهة الدعاية التي تروجها الجماعات والدول انشات وزارة الدفاع مكتبا للتضليل الاستراتيجي كما انشات وزارة الدفاع الروسية قسماً اعلامياً يتبع لهيئة الأركان الروسية لمواجهة الدعاية الإعلامية الموجهة نحوها. كما استغلت التنظيمات الارهابية الإعلام وأنشأت اقساماً متخصصة للدعاية والتضليل.

ويعد الاعلام بوجهه الجديد، والعمليات النفسية وجهان لعملة واحدة حيث يرتبطان برباط مشترك فكل منهما يكمل الآخر فالإعلام بمثل الادوات الرئيسة في توصيل الرسائل النفسية للمتقي في أي مكان وعلى أي مستوى كما إن العمليات النفسية هي الوسيلة التي تحدد من خلالها أهداف الرسالة الاعلامية.

مداخل تأثير الحملات النفسية

على أثر التطور الذي شهدته وسائل الاعلام ووسائط الاتصال في مجالات الحياة المختلفة تطورت بذلك وسائل وأساليب تأثيرات الحرب النفسية وذلك نسبة للإلغاء التاريخي للتفرقة التقليدية بين مفهومي الحرب والسلام وكذلك تطوير فكرة الطابور الخامس حيث أصبح دوره مؤثراً في تفاصيل العمليات الحربية. ساعد على ذلك تكثيف عمليات غسيل المخ بشكل واسع .واستغلال التقنيات الحديثة ومن بينها عمليات الذكاء الاصطناعي. ويؤثر الاعلام، ويتأثر بثقافة البشر حيث تنعكس على مدى توجه الاعلام وآلياته ووسائله وخططه تجاه المتلقي والتي يمكن من خلالها بث مضمون الرسائل النفسية. وبذلك فقد تشكلت مداخل التأثير على النحو الآتي:

توثر الحملات النفسية تأثيراً مباشرا بكل من السياسة الداخلية والخارجية للدولة والسلوك الذي تنتهجه في الخارج والخارج لتحقيق أهدافها.

كلما انخفض المستوى الاقتصادي للشعوب كانت اكثر عرضة لتأثير الحملات النفسية المعادية لذلك يجنح المخططون للحرب النفسية لدراسة اوجه الضعف والقوة في اقتصاد الدولة.

البيئة الاجتماعية المترابطة التي تتميز بالتماسك وعدم التفكك الاجتماعي يصعب توجيه الحملات النفسية عليها والعكس صحيح.

تمثل العوامل الثقافية والتعليمية مؤشراً واضحاً لشكل واسلوب المعاملة مع الدول والأفراد، ذلك أن تدنى المستوى الثقافي والتعليمي يبقى مجالاً خصباً لعمليات الحرب النفسية.

تؤثر كل العوامل السابقة مجتمعة في البيئة العسكرية، وتتأثر بها.

خارطة طريق العمليات النفسية

تكثيف اعلامي متصل مع تعدد الوسائل والقنوات والمنصات الاخبارية لقيادة حملات التشويه الممنهج تجاه الدين والمثل والقيم والاخلاق.

اطلاق أخبار( كبالونة) اختبار. التشكيك في سلامة القضية وعدالة الهدف تمزيق الجبهة الداخلية واستنفاذ الطاقات في الخصومات والصراعات الداخلية.

احداث فوضى عارمة وهي ما يشار إليه بالفوضى الخلاقة.

شن حرب عسكرية تدميرية تقضي على البنية التحتية الأساسية وتزيل النظام السياسي نفسه.

دعم وتبني الأنشطة الاتصالية التي يمارسها الارهابيون وتجار الأسلحة ومروجو المخدرات و عصابات القرصنة والحركات المسلحة.

تضليل المواطنين بدعاوى ظاهرها البراءة والدعوة للسلام ووقف الحرب وفي باطنها الخداع والتخذيل والتضليل.

أهداف الحرب النفسية

تظل أهدف عمليات الحرب النفسية في شكلها الأساس هي أهداف ووسائل الحرب النفسية في كل زمان ومكان. ولكن قد تتطور الأساليب بحسب مقتضيات العصر وتطور الاعلام. وتلك الأهداف تتمثل في:

زعزعة ثقة الشعب بأهدافه ومبادئه بتصوير عدم امكانية تحقيق الأهداف والمبادئ . ومحاولة تحطيم الوحدة الوطنية والتسامح المجتمعي والتشكيك في سلامة المقصد وعدالة الهدف.

غرس أفكار ومعتقدات جديدة ودخيلة ليؤمن بها الشعب بعد ذلك.

اضعاف الايمان بالدين والعقيدة والمبادئ. وتهوين القيم والتشهير بها لدرجة الاستهزاء وتعميم مشاعر الاحباط واليأس بين أفراد المجتمع. زعزعة الثقة بإحرازه النصر.

إقناع الرأي العام المجلي والعالمي أو تضليله وعزل الخصم عن أصدقائه وحجب التأييد والمساعدة العسكرية والاقتصادية والفنية من جانب الأصدقاء .

شغل الشعوب بمعارك جانبية ، وخلق الأزمات والصراعات الداخلية وتصعيدها ، ومحاولة الدس واستخدام أبواق الدعاية في اشعال لهيبها .

اشاعة الفرقة والانقسام بين صفوف الأمة، واضعاف الثقة بين الشعوب وحكوماتها، وبين القادة والجنود، وبين الأغلبية من السكان والأقليات، والتفرقة بين الأحزاب والطوائف والمذاهب المختلفة، والتفرقة بين الجيش والمدنيين، وكذلك بين الأجيال المختلفة.

اضعاف ايمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية، واثارة الشك في نفسه وفي شرعية قضيته، وزعزعة الأمل في النص، ليتخاذل ويسهل إقناعه بالهزيمة.

كسب جميع العناصر المعزولة في المجتمع لصالح الدولة المعادية حيث تشجع المعارضة والتمرد والتخريب في داخل البلاد.

وسائل الحرب النفسية

استخدام الاذاعات والقنوات المعادية والموجهة نشر الأخبار الكاذبة والمضللة.

تكثيف الغزو الثقافي والفكري من خلال التدفق الاعلامي. والبرامج والأفلام الموجهة ذات الطبيعة الاستهلاكية.

الوصول للمعلومات باستدراج بعض العناصر للحديث عن القوات المسلحة وتحركاتها.

تعميق الشعور العام بفقدان العدالة والتشكيك بسلامة النظام الداخلي.

الدعوة للاحتجاج والتمرد على النظام السائد. وارساء حالة من الترقب بقرب نهايته.

تضخيم الأخطاء والممارسات السلوكية والتصورات الفكرية

تضخيم وتهويل الضائقة الاقتصادية والاجتماعية.

تكثيف الرسائل الموجهة للشباب بقصد تعميم مشاعر الاحباط والياس بينهم.

ضخ سيناريوهات وأخبار مغلوطة ودعايات مغرضة وتضخيم شخصيات فارغة وتصغير شخصيات كبيرة.

اشاعة قيم فاسدة تحت عناوين الانفتاح والحريات والرأي الآخر.

زيادة الرعب في قوة العدو، وارسال رسائل تهدف إلى التخذيل بعدم القدرة على هزيمته

تضليل المواطنين بدعاوى ظاهرها التجرد والبراءة والدعوة إلى السلام ولكنها ترمي في حقيقتها إلى الخداع والتضليل.

تدعيم التطرف الديني والسياسي والتشويش على القناعات الاعتقادات الدينية الصحيحة والمعتدلة والتشكيك في مصداقيتها.

زيادة شق الخلاف بين الحكومة وشعبها تفريق أفراد الشعب عن القيادة. زرع التشكيك في القادة.

تحطيم قيم واخلاقيات الشعب الذي توجه اليه الحرب النفسية وكل ماله علاقة بالهوية.

ردع الخصم وانذاره بتنفيذ ارادة القوى الأخرى والانصياع للنظام العالمي الجديد.

استراتيجية مواجهة الحرب النفسية المضادة

أصبحت الحرب النفسية وظيفة من وظائف الدولة الرئيسة. وأصبح تحصين المجتمع من الأثر السالب لتلك الرسائل هدفاً تقوم به الحكومات المختلفة حيث تضطلع بإعداد الخطط الاستراتيجية المتكاملة على مستوى الدولة وتلزم بها كل أجهزة أعلامها والخاصة لذلك لابد أن يكون للحرب النفسية خططها والياتها التي تصاغ بأسلوب علمي سليم. بما يؤهلها ويمكنها من أداء دورها ولذلك ينبغي أن تتناول الاستراتيجية الآتي:

اقناع المواطنين بتمكينهم من الشعور بالثقة بالنفس وضرورة استخدام المنطق والعقل وعدم الانقياد للمعلومات أو الأفكار المضللة.

خلق الوعي الثقافي والفكري والسياسي للشعب وغرس روح الوطنية والولاء للدولة.

التحري التام عن مصدر الشائعة والتصدي لها بالمعلومة الصحيحة في الوقت المناسب من أهل الاختصاص.

طرح رؤى مستقبلية تسهم في تفعيل دور الاعلام ومؤسساته من خلال تحديد الادوار المنوط بكل منها في اطار استراتيجية اعلامية واتصالية شاملة تؤدي إلى تحول إلى فهم جديد حول الاعلام الأمني ودوره ووظيفته ونظرياته بما يفسر طبيعة الاعلام وآليات تأثيره في المجتمع والفرد.

مراجعة تأثير الاعلام على مفاهيم وأدوات وخطط وممارسات التهديدات العسكرية على الامن النفسي والامن المجتمعي. واعادة النظر في تأثيرات عمليات الحرب النفسية والحرب النفسية المضادة على ضوء ما استحدث من مفاهيم وممارسات حديثة.

بحث العلاقة بين آليات الارهاب الجديد وتفكيك بنية المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا وقيما.

اعادة النظر في العلاقة بين الاعلام والمؤسسات الأمنية. مع تحديد جوانب القصور في فهم تلك العلاقة في ظل التشابك بينهما من حيث الالتقاء والتفرد في مهام كل منهما. وانعكاس ذلك على الأمن النفسي.

اجراء عمليات التأهيل النفسي للمواطن الذي تأثر بما أفرزته الحرب من أثر نفسي على المواطنين.

رفع درجة وعي المواطن لمعرفته بقضية الحرب النفسية والحرب النفسية المضادة وتأثير الاعلام علي بنية المجتمع.

تفعيل دور التوجيه المعنوي في اعداد المقاتلين واستعدادهم للمضي في ثبات والتحصين من كل ما يستدرج الجندي حتى لا يفقد القدرة على اداء واجبه.

حماية الجندي من الانحراف نحو التيارات الهدامة وتحصينه ضد عمليات اساليب الابتزاز والاستفزاز.

الوسائل

تقوية الروح المعنوية للشعب وازكاء روح الوحدة الوطنية.

الاسناد المعنوي للمقاتلين وزرع الثقة في القوات المسلحة وتدعيم الولاء لها. وتصميم برامج توجيهيه واضحة ترتقي بمعنويات الجندي إلى اعلى درجات التضحية والفداء دفاعاً عن الوطن.

ابراز المقدرات والامكانات البشرية والمادية للدولة. والتبشير بالمستقبل الزاهر للوطن.

محاربة ومجابهة الاعلام المضاد والمضلل وكشف ألاعيبه.

كشف أساليب المخذلين والطابور الخامس واعداء الوطن في الداخل والخارج.

نشر وبث المعلومات الصحيحة وفي وقتها المناسب .

.تنمية الوعي الأمني لدى المواطنين لمواجهة طرق وأساليب الاعلام المضاد وابراز الهدف من الحرب القائمة ومالاتها.

التحصين المستمر للجمهور وتذكيرهم بالقيم الدينية، وارث المجتمع الحضاري والثقافي.

.المتابعة المستمرة لما تبثه قنوات الاعلام المضادة بهدف تعرية أهدافهم وفضح نواياهم.

التوعية المستمرة لمواجهة مسالب الاعلام المضاد وتأثيره على بنية المجتمع ومكوناته السياسية والثقافية والحضارية.

الوعي بمحتويات الرسائل الاعلامية المضادة والتمييز التام بين عمليات الدعاية والاعلام.

الاهتمام بالإعلام الحديث بوسائله ووسائطه وآلياته وإفساح المجال للمنصات الإخبارية والمواقع الإعلامية لأدا دورها بحرية ومسؤولية تجاه قضايا الوطن والمواطنين وبما يرفع من الروح المعنوية للجنود.

يقين برس

صحيفة اللكترونية تهتم بالشأن السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى