الديانة الإبراهيمية (التي يزعمون) 3/2
يقال بأن الفكرة الأساس للديانة الإبراهيمِية ويشار إليها أيضا بإتفاق ابراهيم (Abraham Accords) أو الاتفاق الإبراهيمي، وهو اسم يُطلق على مجموعة من اتفاقيات السلام التي عُقِدت بين إسرائيل ودول عربية برعاية الولايات المتحدة؛ وردت لأول مرة في رسالة من مواطن أمريكي مصري المولد يدعى سيد نصير، كان مسجونا في السجون الأمريكية متهم بالإرهاب وقتله للحاخام اليهودي مائير كاهانا، أرسل هذا الرجل رسالة تحوي فكرةَ لمشروع أسماه (الاتحاد الإبراهيمي الفيدرالي)، الغاية منه -كما يقول- تحقيقِ المصالح الأمريكية وتقليصِ الصراعات في الشرق الأوسط، وأرسل الرسالة إلى عدة شخصيات أمريكية منها هيلاري كلينتون لكن لم يصله رد منها، وفي عام 2000م تبني الفكرة عمليا نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الذي أرسل رسالة إلى سيد نصير قائلًا: (وصلت الرسالة).
وفي عهد الرئيس الأمريكي أوباما أخذت الفكرة زخمًا واهتماما كبيرين مقرونا بمبادرات تمهيدية على أرض الواقع السياسي والثقافي والأكاديمي، ظهر ذلك خلال زيارة الرئيس أوباما إلى القاهرة، وفي عام 2004م تمَّ بلورة المصطلح والفكرة أكاديميًّا من خلال تبني بعض الجامعات له، وفي عام 2020م كان اكتمال نضج المشروع والتنفيذ المعلن والنشط له في ظل إدارة ترامب ونتنياهو في ثنايا دفعهم دولا شرق أوسطية وأفريقية عديدة إلى التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، وقد وجد المشروع بعض التعاطي الرسمي على الأرض العربية من خلال بعض الأعمال التي أقيمت، ومن ذلك المسعى إلى حذف بعض الآيات والأحاديث من المناهج الدينية التي قد تفسر بشكل خاطئ كما يزعمون.
وكانت القدس من أھم المحطات الأولى للتغییر على الأرض، فقد حاولت منظمة (الأونروا) فور وصول الرئيس الأمريكي السابق ترامب إلى السلطة حذف عبارة (القدس عاصمة فلسطین) من المقررات الدراسیة للصف الأول إلى الرابع الابتدائي بمدارسھا، لتحل محلھا عبارة (القدس المدینة
الإبراھیمیة)، في مسعى لتغییر وتغییب ھویة الأطفال خلال مرحلة التشكیل لیكونوا نواة
التطبیق للمخطط المستقبلي، وكذلك نقل عاصمة دولة الكيان الصهيوني إلى مدينة القدس وجعلها موحدة تحت علم دولة الكيان الصهيوني.
والحق يقال أن الدعوة لديانة إبراهيمية لا علاقة له بدين كما أسبقت في الجزء الأول من المقال، انما الهدف منه سياسي بحت يسعى من خلاله العدو الصهيوني المحتل الغاصب إلى ترسيخ حقه المزعوم في الأرض الفلسطينية ومن بعدها أرض دول عربية عديدة، مما يشكل خطرا ماحقا على مجملِ قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك حيث يتطلع الصهاينة إلى هدمه وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه، وقد تجلى ذلك فيما أصدره القائمون على هذا المشروع في وثيقة (مسار إبراهيم) الذي يهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بما يتماهى مع خارطة حلم (إسرائيل الكبرى)، وهي تنص صراحة بأن أراضي الدول التي يسجلها هذا المسار ليست ملكا لسكانها، بل ملك لأتباع النبي إبراهيم (الذي ملكه الرب الأرض بوعد إلهي مقدس كما يزعمون)، ومعلوم أن يهود اليوم يزعمون أنهم الأبناء الحقيقيون لنبي الله إبراهيم عليه السلام، وبذلك يتيح الدين المنسوب إليه بهتانا -الديانة الإبراهيمية- فرصة ليهود اليوم بالاندماج في المنطقة، ومن ثم المطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المدعاة في أيِ مكانٍ وطأته الأقدام حسب تصورهم التوراتي.
وقد أسموه المسار الإبراهيمي للسياحة الثقافية الدينية، وهو مسار يتتبع رحلة إبراهيم عليه السلام من مولده إلى موضع موته ودفنه، ويرتبط هذا المسار بمسارات دينية وثقافية ثانوية وداعمة، كالمسار الصوفي، ومسار أبناء الهيكل، ويغطي في مرحلته النهائية حوالي عشر دول تمتد على طول 5000 كم يخترق فيها حاليا تركيا وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وفي فترة لاحقة سيخترق إيران والعراق ومصر والسعودية وصولا إلى المشاعر المقدَّسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويتم لاحقا تدويل هذا المسار باعتباره منطقة من مناطق التراث العالمي ليصبح التدويل مدخلا لتحكم الصهيونية العالمية في الدول العربية الواقعة على هذا المسار لاتمام التطبيع الذي فشلت فیه دولة الكيان الصهيوني منذ إعلان وجودھا عام 1948م إلى اليوم.
وقد جاء في وثیقة جامعة ھارفارد عبارة تقول: (لا بد من طرح تساؤل ھام حول ملكیة أرض المسار، فھي لا تخص الشعوب التي تقیم على أرض المسار انما تحدد لاحقا، وفي عام 2013م أعلن (جون كیري) عن الأرض الإبراھیمیة المشتركة للأدیان بكونها خارطة أرض إسرائیل الكبرى!
وإلى المقال الثالث إن شاء الله.
adilassoom@gmail.com