كسلا وشينات ثلاث
شمال…
وشرق…
ثالثهن شوق
يختزل مسافة الطريق ومد العمر…
جبل هناك في الشمال، وجبل هنا في الشرق، بينهما توزع الأهل والحب والتحنان…
في إحدى صباحات المرغنية الوديعة نادى المنادي بقدوم مولود لآل عسوم، صرخ الوليد وقد أمتلأت رئتاه بنسيم كسلا العلبل…
وحبا وترعرع، فتشكل وجدانه بخضرة المدينة ونفح القاش…
كان اليوم خميس، والجو ربيع، وقمم توتيل معمعمة بدوائر السحب الموشاة بألوان قوس قزح في صورة تاخذ بالألباب،
وتشكيلات الحمام تحلق في الأجواء منتشية محتفلة بالزيفة وأرهاصات مطر الربيع…
وتساوقت الأنسام مشبعة بروائح البرتقال والجوافة والموز والقريب فروت والليمون من صوب ساقية فقيري وقد أتاها الفراش ليتعبد الله في عيون القاش، لا تثنيه عن ذلك الدمعة في الرملة ولا انشغل بالقيف يعاين القيف…
وان رمت وصف باب بيتنا، تظلله نخلة لعوب، تتمايس بين أيدي النسمات لتهديها شبالا من جريد…
كسلا التي حباها الله مزية دون المدن إذ أشجارها تزهر مرتان في العام!…
وجعل أهلها يحملون في دواخلهم دارين من مودة ومن منى، تجدهم يجمعون المفرد فيقولون (اتنين بيت واتنين سرير)، حتى وصفهم للأشياء تجد في ثناياه سموا وارتقاءا، (فلان تلقاه فوق البيت) وليس في البيت!…
ماأروع قبائلها من الحلنقة وبقية بطون البجا وهم (يلوون) الكلام،
و(يلينون) في الرقص، و(يلاوون) السيف!…
هذا حالهم في شرق القاش، أما في غربه فتجد أهلنا الهوسا قوم فيهم جد ونشاط، وان نزلت عندهم ضيفا تجد الرقة والطيبة والترحاب والسخاء، والبني عامر كذلك ويرجحون بتديّن فيهم جبلّة…
ومن دون أولئك الرشايدة عرب أقحاح فيهم أصالة ونخوة وجمال…
أما السواقي شماليها وجنوبيها، فقد أشرقت بها شمس وجد توفيق صالح جبريل يوما فكانت ومافتئت جنة للعشاق…
كتبت في كل ذلك وقلت:
أتصدقون…
ان قلت انّي أعشق الجبالا؟!
معمور بها الفؤاد لايستكين بالا
وكيف لا؟! …
فهاجر من قبلي عشقت جبلين
فأضحى عشقها لقومنا (سعيا) ودين
كذاك عشقي لا أرى لنفسي دونه فكاكا
ابذله لجبل هنا يرنو الى جبل هناكا
صنوان في الشموخ (بركل) و(تاكا)
توزعت أمشاج أهلي بين هذا وذاكا
فالأصل يضرب في الشمال له جذورا
فيه يجري النيل يسقي زرعه والبورا
يشق صدر أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدبا في البركل الذي يلي كريمة
وقد حوى في جوفه التاريخ والأسماك
تاريخ قوم ذاخر بالنصر كل حراك
الماء فيه ريان بلون البُنّ أشهُرا
والموج يصطخب لسيفه قد اشهرا
ينبيك عن مخاض
بالخير حين فاض
فيرفد الجروف نبتا يانعا دونما أشواك
ثم يصفو أشهُرا
ويستحيل أزرقا
تمده السماء من اهابها بلونها نهارا
وفي المساء
يستحيل سطحه مرآة حسن لأنجمٍ سهارا
ونخيل بالشط تهفو بجريد مائسات
يرقصن في دلال بين أيدي النسمات
أودعها الأله كل لون
سيقانها تشربت بذات لون البنّ
سبيطها يزينه الصفار
وثمرها يخضرُّ في البدار
وبعد أشهر…
ينداح صفرة
وحمرة
ليكتسي بذات لون البنّ دونما هلاك
وفي الجوار…
ينتصب التاريخ جبلا أسمرا
له اسمان اسم (جدّي) والبركلا
تحرسه أسودٌ هي ليست حجرا
اللون فيه ذات لون البنّ
ومعبدٌ قد زانه التوحيد ذات يوم
بناه آمون الذي ملك الدنا والقوم
عادل عسوم adilassoom@gmail.com